- مارك جونسون
- بي بي سي
29 يوليو/ تموز 2022
كشفت الإمارات العربية المتحدة في مارس/آذار من عام 2021 عن تصريح إقامة لمدة عام للعمالة عن بعد، وذلك في محاولة لجذب المواهب الجديدة إلى المنطقة.
وتسمح هذه التأشيرة للمهنيين الأجانب مثل جوليان تريمبلاي، وهو مهندس برمجيات يبلغ من العمر 31 عاما من مونتريال، بالحياة في دبي مع الاستمرار في العمل لحساب أصحاب عمل في الخارج.
كما تمنح هذه التأشيرة الوافدين الجدد إمكانية الحصول على بطاقة هوية المقيمين ومعظم الخدمات العامة، وبالتالي يمكن لتريمبلاي، على سبيل المثال، استئجار سكن بشكل قانوني أو حتى فتح حساب مصرفي، وكل ذلك مع إعفائه من دفع أي ضريبة دخل محلية.
ويقول تريمبلاي : “عندما أصبحت من الرقميين الرحّل قبل خمسة أعوام ونصف العام، كان هناك عدد قليل جدا من خيارات التأشيرة، لكن الوضع تغير الآن، فتأشيرة مثل تلك التي أصدرتها الإمارات تنقلك خارج المنطقة الرمادية حيث يُسمح لك بالتوافق الكامل مع المكان الذي تقيم فيه، وإذا كنت لا تنوي أن تقيم في وطنك، فمن السهل أيضا إثبات مغادرتك وأنك أصبحت مغتربا”.
لقد عاش الرقميون الرحّل في السابق غالبا في مأزق قانوني حيث لم يُسمح لهم من الناحية الفنية بالعمل في بلد أجنبي، كما لم يتم توظيفهم محليا أيضا.
وتخلق تأشيرات الرحّل الرقمية الجديدة أساسا أكثر ثباتا، وتطرح إطارا قانونيا يمنح العمال عن بُعد والشركات التي توظفهم مزيدا من راحة البال.
ولا يُنظر إلى هذه التأشيرات على أنها ثغرة للتهرب من الضرائب حيث مازال معظم الرقميين الرحّل يدفعون الضرائب في بلدانهم الأصلية للحفاظ على الجنسية أو الحصول على مزايا خدمات الصحة العامة.
وقد أطلقت أكثر من 25 دولة وإقليم حتى الآن تأشيرات الرحّل الرقمية، وفقا لتقرير معهد سياسة الهجرة الجديدة.
وبدأ هذا التوجه، الذي أججه الوباء، في الدول الأوروبية والكاريبية الصغيرة المعتمدة على السياحة.
وتطرح الآن الاقتصادات الأكبر مثل الإمارات والبرازيل وإيطاليا مبادراتها الخاصة في هذا المجال.
وبالنسبة لهذه البلدان، تُعد تأشيرات الرقميين الرحّل وسيلة لجذب الأفكار والمواهب الجديدة إلى شواطئها بالإضافة إلى الاستفادة من نمو العمل عن بُعد لضخ رأس المال الأجنبي في الاقتصادات المحلية.
وفي الوقت نفسه، بالنسبة للرقميين الرحّل مثل تريمبلاي، توفر التأشيرات الجديدة الاستقرار والتعرف على الثقافة المحلية “بدلا من التعامل مع البلدان المضيفة على أنها عوامل تشتيت مؤقتة”.
وتختلف متطلبات تأشيرات الرحّل الرقمية من بلد إلى آخر، ولكنها عادة ما تتضمن إثباتا للعمل عن بُعد وتأمين السفر والحد الأدنى من الدخل الشهري، وكل ذلك لضمان قدرة حاملي هذه التأشيرات على إعالة أنفسهم دون تولي وظائف محلية.
ويتفاوت الدخل الشهري المطلوب بين 5 آلاف دولار شهريا في الإمارات العربية المتحدة و2770 دولارا في مالطا أو 1500 دولار في البرازيل.
وهناك أيضا رسوم للتقديم للحصول على هذه التأشيرة (تتراوح من 200 دولار إلى 2000 دولار).
وبينما تتراوح مدة الإقامة من 6 أشهر إلى سنتين اعتمادا على التأشيرة، يمكن لبعض المتقدمين استعادة هذه الأموال من خلال المزايا، فعلى سبيل المثال، تخطط الأرجنتين لتقديم تأشيرتها الجديدة للرحّل الرقميين بأسعار تفضيلية للإقامة ومساحات العمل المشتركة والرحلات الداخلية مع الخطوط الجوية الأرجنتينية.
ويقول لوكا كارابيتا، عضو البرلمان الإيطالي عن حزب حركة الخمس نجوم، إن إيطاليا تجمع بين أفضل العناصر من تأشيرات الرحّل الرقمية الأخرى من أجل التوصل إلى تأشيراتها الخاصة التي ستصدر بحلول سبتمبر/أيلول المقبل على أبعد تقدير.
ويتوقع كارابيتا أن تجتذب التأشيرة الإيطالية في أول عام بعد صدورها 5 في المئة من سوق الرحّل الرقميين العالمي، الذي يقدر بحوالي 40 مليون شخص.
ويوضح قائلا : “يمكن لأي من الرقميين الرحّل أن يجلب لنا مهارات في كل شيء من الهندسة المعمارية إلى مجالات الهندسة المختلفة، لذلك فهي طريقة جيدة لفتح بلدنا على المهارات من الخارج”.
ويرى كارابيتا أيضا أن هذه التأشيرة المؤقتة وسيلة لجذب السكان الأصغر سنا (إيطاليا هي الأكبر في أوروبا من حيث معدل السن) ليختبروا الحياة في إيطاليا من أجل الاستقرار في البلاد “لن يكون هدفنا النهائي هو أن نجذبهم كضيوف في إيطاليا فقط، ولكن أيضا ربما إمكانية استقرارهم هنا”.
واستعدادا لإصدار التأشيرة الجديدة، يقول كارابيتا إن إيطاليا أنفقت أكثر من مليون يورو لتعزيز شبكات تكنولوجيا المعلومات وتحسين النقل وتحديث البنية التحتية في المجتمعات الريفية، كل ذلك على أمل أن يساعد الرحّل الرقميين الذين ينجذبون إلى تلك المناطق في إيطاليا في المساهمة في تطوير اقتصادياتها.
وفي الوقت نفسه، طورت مدن مثل البندقية وفلورنسا بالفعل برامج لمساعدة الرقميين الرحّل على الاستقرار بسهولة بمجرد وصولهم.
ويقول بريثويراج شودري، الذي يركز بحثه في كلية هارفارد للأعمال على الجغرافيا المتغيرة للعمل، إن الفوائد التي تعود على بلدان مثل إيطاليا هائلة.
ويوضح قائلا: “أولا وقبل كل شيء، ينفق العامل عن بُعد دولارات الاستهلاك في الاقتصاد المحلي، وعلاوة على ذلك، يجرون أيضا اتصالات مع رواد الأعمال المحليين”.
ويعتقد شودري أن تبادل المهارات هو واحد من أكبر الفرص للبلدان، مشيرا إلى أنه سيكون من المهم بالنسبة لهم محاولة جذب النوع الصحيح من البدو الرقميين الذين يمكنهم إضافة قيمة إلى المجتمع المحلي.
ويشير إلى برنامج رواد الأعمال في تشيلي كمثال تاريخي.
فقد تم إطلاق هذا البرنامج في عام 2010، وقدم حوافز نقدية وتأشيرات لرواد الأعمال الأجانب لقضاء عام في تشيلي لتطوير شركاتهم الناشئة الخاصة بهم وتوجيه المواهب المحلية.
وفي ذلك الوقت، كانت سوق ريادة الأعمال في تشيلي ناشئة، والآن وبعد عقد من الزمن وبفضل تبادل الأفكار، أطلق رواد الأعمال التشيليون شركات تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار، بما في ذلك شركة تكنولوجيا الأغذية النباتية “نوتكو”، وتطبيق توصيل البقالة عند الطلب “كورنرشوب”.
ويوضح شودري قائلا: “إنه مثال جيد على كيفية إنشاء نظام بيئي للعمل إذا قمت بدعوة أجانب موهوبين إلى بلدك حتى لمدة عام واحد فقط”.
ويضيف قائلا: “إن أولئك الذين سيحققون أقصى استفادة من تأشيرات الرحّل الرقمية هم من الاقتصادات الناشئة أو الدول الصغيرة التي تفقد المواهب تقليديا لصالح البلدان الأكبر”.
ومضى يقول: “في السابق، كانت الشركات تقاتل من أجل المواهب، والآن، الدول والمناطق تقاتل أيضا من أجل المواهب”.
ويتوقع تشودري أن الاقتصادات الأكبر قد تقدم قريبا تأشيرات الرقميين الرحّل للبقاء في المنافسة.
ويعتقد أن الأشخاص الذين ينشئون أفضل نظام بيئي للعاملين عن بُعد سوف يحصدون أكبر الفوائد.
ويقول: “تحتاج إلى مساعدتهم خلال مدة الإقامة من خلال ربطهم بأشخاص متشابهين في التفكير والمستثمرين من ذوي الأفكار المتشابهة، وبمجرد مغادرتهم، تحتاج إلى إعداد برنامج يمكنهم من البقاء على اتصال والاستمرار في المساهمة في المجتمع والعودة باستمرار”.
وقد توفر تأشيرات الرحّل الرقمية العديد من الفرص الواعدة، لكنها قد تخلق أيضا تحديات جديدة. فهي، على سبيل المثال، قد تؤدي إلى ارتفاع في تكاليف المعيشة المحلية، وزيادة المنافسة على الموارد وخلق “فقاعات امتيازات”، وذلك بحسب كيت هوبر وميغان بينتون، واضعتي تقرير معهد سياسة الهجرة.
وتستشهد الباحثتان ببالي في إندونيسيا وجوا في الهند كمثالين على مراكز الجذب للرحّل الرقميين حاليا، وهما منطقتان واجهتا هذه المشاكل في السنوات الأخيرة. كما يمكن أن يؤدي وجود فئة من العمال الذين يستخدمون البنية التحتية والخدمات المحلية ولكن لا يدفعون أي ضرائب عنها إلى إثارة الاستياء بين المقيمين الذين يدفعون الضرائب.
ويتساءل بعض الخبراء أيضا عما إذا كانت تأشيرات الرحّل الرقمية ستحظى باهتمام كبير في المقام الأول.
ويقول دانش سومرو ، المؤسس والرئيس التنفيذي لقاعدة بيانات التنقل العالمية فيساب.آي أو: “لا تزال شرائح أكبر من الرحل الرقميين تستخدم خيار التأشيرة السياحية من 3 إلى 6 أشهر لأسباب مختلفة، مثل التعقيدات في التقدم للحصول على تأشيرات الرحّل الرقمية”.
ويضيف سومرو قائلا إن الأعمال الورقية المرهقة والامتحانات الطبية المكلفة والتحديات لإثبات الدخل الشهري (خاصة بالنسبة لغير المرتبطين بعقود) يمكن أن تجعل العديد من الرحّل الرقميين أكثر ميلا للدخول فقط كسائحين والقيام بـ “جولة تأشيرة” سريعة عبر الحدود عند الحاجة. فهم، قبل كل شيء، متجولون بطبيعتهم.
وبعد 5 سنوات من دخول عالم الرحّل الرقميين، يقول تريمبلاي إنه سعيد لأنه تقدم بطلب للحصول على تأشيرة الرحّل الرقمية في دبي. ويوضح قائلا: “إنه شعور رائع أن تتم معاملتك كمقيم على الرغم من عدم العمل في الوظائف المحلية أو الاستثمار”.
ويخطط مهندس البرمجيات لاستخدام دبي كقاعدة للمستقبل المنظور، أي حتى يعثر هذا المرتحل الرقمي منذ فترة طويلة مستقره التالي.