منذ يومين يعتصم متظاهرون تابعون للتيار الصدري، بزعامة مقتدى الصدر، في مقر البرلمان العراقي معطلين أعماله، خاصة جلسة مزمعة للتصويت على رئيس جديد للجمهورية تأخر انتخابه أكثر من 10 أشهر، منذ الانتخابات الأخيرة في أكتوبر الماضي.
التظاهرات التي انطلقت بعد ترشيح الإطار التنسيقي للقوى الشيعية، للقيادي فيه والوزير السابق، محمد شياع السوداني، لمنصب رئيس الوزراء، اتسعت مطالبها – كما يبدو من بيان أخير للصدر – لتدعو إلى تعديلات “جذرية” لـ”النظام والدستور والانتخابات”، وهي دعوات اعتبرت من قبل الإطار “انقلابا” على الشرعية.
ويقول المحلل السياسي العراقي، علي المعموري، إن الصدر يعرف أنه يحتاج إلى “غطاء شعبي مكون ليس من أنصاره فقط، وإنما من عموم العراقيين، إذا أراد إجراء تغيير ذي مغزى”.
ويضيف المعموري لموقع “الحرة” إن “إدراك الصدر لهذه النقطة جعله يركز على دعوة باقي العراقيين للاشتراك في التظاهر، وتخويفهم من مغبة ترك الصدريين وحيدين”
وقال الصدر في تغريدته الأخيرة محذرا من تفويت “الفرصة الذهبية” للخلاص من “الظلم والإرهاب والفساد والاحتلال والتبعية” إن الجميع “مسؤولون وعلى المحك، فإما عراق شامخ أو عراق تبعي يتحكم به الفاسدون”.
وحذر من “نهاية العراق التي باتت قريبة” في حال لم ينصر العراقيون “واعية الإصلاح” المتمثلة في التظاهرات، وفقا له.
وقال المعموري إن “هذه التحذيرات الشديدة دليل واضح على إحساس الصدر بخطورة المرحلة المقبلة، وحاجته إلى الدعم الشعبي لمواجهة خصومه، والاستفادة من النقمة الشعبية ضدهم”.
تحذير من “الفتنة”
وردا على بيان الصدر، حذرت بيانات للإطار التنسيقي من “الفتنة” وأعلنت “وقوف الإطار مع الشعب في الدفاع عن حقوق المواطنين وشرعية الدولة والعملية السياسية والدستور وجميع مخرجاته القانونية”.
وقال بيان للإطار، نشرت نسخة منه على موقع قناة فضائية تابعة لـ “عصائب أهل الحق” إنه ” يستمر في دعوته الى الحوار مع جميع القوى السياسية وخصوصا الاخوة في التيار الصدري، بينما نرى للاسف تصعيدا مستمرا وتطورا مؤسفا للاحداث وصل حد الدعوة الى الانقلاب على الشعب و الدولة ومؤسساتها وعلى العملية السياسية والدستور والانتخابات، وهي دعوة للانقلاب على الشرعية الدستورية التي حظيت خلال السنوات الماضية بدعم جماهيري ومرجعي ودولي وصوت عليه الشعب بأغلبيته المطلقة”.
إعلانات تأييد للصدر
ومباشرة بعد دعوة الصدر، أصدر عدد من شيوخ العشائر العراقية بيانات قالوا فيها إنهم داعمون لتظاهراته وسيشتركون فيها، فيما أصدر آخرون بيانات أكدوا فيها أنهم “لن يشتركوا في الفتنة”، وأنهم “يقفون على الحياد” بين طرفي النزاع، ودعا آخرون المرجعية الدينية الشيعية في النجف لـ “التدخل”.
ويقول المحلل السياسي العراقي، محمد السلطاني، إن “الثقل الأكبر ليس للعشائر، وإنما لمتظاهري تشرين، وهؤلاء من يريدهم الصدر فعلا”.
ويضيف السلطاني لموقع “الحرة” أن “العديد من المتظاهرين التشرينيين موجودون فعلا داخل البرلمان حاليا، لكن الصدر يريد أن يحضروا كممثلين عن المتظاهرين وبأعداد كبيرة لتعزيز شرعية مطالبه”.
ويوضح السلطاني أن هذا الأمر “لم يتحقق حتى الآن، ويبدو أنه صعب التحقق”.
موقف الناشطين
ويقول الناشط في تظاهرات بغداد، غيث محمد، إنه “بناء على مواقف الصدر مع شباب تشرين فأغلب الشباب لا تميز بين الصدر وبين خصومه من الميليشيات”.
ويضيف محمد لموقع “الحرة” أن “الطرفين اشتركا بشكل مباشر وفعلي في قمع شباب التظاهرات، ومحاولات الصدر لحشر لافتات تمدح المشتركين في تظاهرات تشرين فضلا عن قول الصدر في تغريدته إن اشتراك تشرين في مظاهرات الإصلاح جعلها ملحمة عراقية على أن الصدر يريد أن يوضح للمجتمع الدولي بشكل عام ولخصومه بشكل خاص أن الشارع ملكه بالكامل”.
ويؤكد محمد “هذا مخالف تماما للواقع فشباب تشرين، باقون على موقفهم برفض النظام برمته ومطالبهم هي ذاتها في محاكمة قتلة المتظاهرين”.
ويؤكد أمين عام حزب “البيت الوطني” المنبثق عن متظاهري تشرين، حسين الغرابي، أن “أعضاء حزبه لن يشتركوا في التظاهرات”.
ويقول الغرابي لموقع “الحرة” إن البيت الوطني “حمل كل الكتل السياسية المتصارعة مسؤولية ما جرى ويجري، ونعتقد أن هذا النظام المحاصصاتي بدأ يأكل نفسه ووصل لنهايته”.
ويؤكد أن “لا حكومة الإطار تمثلنا ولا تقلبات التيار، ولدينا مطالب واضحة بأن تكون أدارة الدولة الانتقالية بيد المستقلين الممثلين للأمة العراقية ليهيئوا لفترة انتقالية وكتابة عقد اجتماعي جديد يصوت عليه المواطنون في استفتاء عام، ومن ثم نذهب لانتخابات بشروطنا السابقة والتي اهمها حرمان الأحزاب المسلحة من الاشتراك بها وتكون بإشراف أممي”.
ويقول الناشط العراقي في تظاهرات ذي قار، زايد العصاد، إن ” العلاقة بالتيار الصدري كشريك احتجاجي انتهت منذ نهاية حراك تشرين، على خلفية انتهاكات وجرائم مورست ضد المحتجين، حيث كانت تلك النقطة الفاصلة بعد جولات احتجاجية كثيرة جمعتنا بهم”.
ويضيف لموقع “الحرة” أن “التيار الصدري جزء أصيل من هذا النظام السياسي وأحد أركانه المهمة، ويتحمل كبقية أركان النظام المسؤولية عن مآلات الخراب والدمار التي وصل لها البلد، بالتالي هم ليسوا مستثنين من الفشل، ومن غير المعقول أن نكون شركاء بهذه الاحتجاجات”.
موقف الإطار
وفي بيانه، قارن الإطار ما يجري حاليا بـ “الانقلابات الدموية التي عاشها العراق طيلة عقود الدكتاتورية ما قبل التغيير “، مضيفا أن “الشعب العراقي الأصيل لن يسمح، ولا عشائره الكريمة وقواه الحية بأي مساس بهذه الثوابت الدستورية من قبل جمهور كتلة سياسية واحدة لا تمثل كل الشعب العراقي”.
وهدد الإطار بأن “أي عمل خلاف (تعديل الدستور بالأطر القانونية) فإنه تجاوز لكل الخطوط الحمراء وتهديد للسلم الاهلي وسلطة القانون ويفتح الباب على مصراعيه للفاسدين الذين استولوا على اموال الشعب ونهبوا الدولة”.
ويقول المحلل السياسي العراقي، محمد نعناع، إن “الدعوات لتغيير الدستور لا تبدو جادة حاليا”، مضيفا أن هذه الدعوات “استقطابية” لأن تغيير الدستور هو مطلب لكثير من الأطراف، بالإضافة إلى تعديل بعض القوانين النافذة المهمة.
ويضيف نعناع لموقع “الحرة” أن “هذه المطالبات تحتاج صياغة قانونية وجهودا لإقرار مثل هذه التعديلات”، لكنه “وجد أن هناك تحديا من الإطار التنسيقي لهذا اتخذ هذه الخطوات الاستقطابية”.
ويؤكد أن “الإطار لم ينحن لمقتدى الصدر لا بسحب ترشيح السوداني ولا بتشكيل وفد تفاوضي جديد، لهذا يصعد الصدر مطالبا تماشيا مع الحالة التظاهراتية التي يقوم بها”، مشيرا إلى أن دعوات الانضمام إلى التظاهر تهدف إلى صبغ تظاهرات التيار بـ”صبغة وطنية” وجعل الإطار في مواجهة الشعب.
قلق من الأيام المقبلة
ودعا رئيس وزراء إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، إلى “الحوار”، وقال إنه “يشعر بقلق عميق” تجاه المستجدات التي يمر بها العراق، وطالب الأطراف كلها بممارسة “ضبط النفس”.
نتابع بقلق عميق الأوضاع السياسية والمستجدات التي يشهدها العراق، وندعو الأطراف السياسية المختلفة إلى التزام منتهى ضبط النفس وخوض حوار مباشر من أجل حل المشكلات.https://t.co/gTFjPT8R4w
— Nechirvan Barzani (@IKRPresident) July 31, 2022
كما دعت بعثة الاتحاد الأوروبي في العراق إلى ضبط النفس تجاه “التصعيد المحتمل في بغداد”.
بيان المتحدث الرسمي حول الأحداث الجارية في بغداد
يشعر الاتحاد الأوروبي بالقلق إزاء الاحتجاجات المستمرة والتصعيد المحتمل في بغداد. ندعو جميع الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس لمنع المزيد من العنف. pic.twitter.com/7aZXFnNx6o
— EU in Iraq 🇪🇺🇮🇶 (@EUinIraq) July 31, 2022
وكانت قيادات التيار الصدري أصدرت، الأحد، تعليمات للمتظاهرين في المنطقة الخضراء منها “عدم التطرق إلى أمور يعتبرها البعض طائفية”، وتشكيل “لجان تنظيمية وعمل حراسات دورية”.
وقال حساب “وزير الصدر، صالح محمد العراقي” المقرب من زعيم التيار، مقتدى الصدر، على تويتر إنه “لا بأس بإقامة الشعائر الحسينية، لكن حبذا أن تكون خارج مبنى البرلمان، ومن دون التطرق الى أمور يعتبرها البعض طائفية”.
كما طالب بـ”عدم استحداث بناء على الاطلاق”، و”الالتزام بنظافة البرلمان”، و”عدم استصدار بيانات فردية”.
ومع هذه التطورات، يبدو أن الأزمة السياسية في العراق تزداد تعقيدا. فبعد عشرة أشهر على الانتخابات التشريعية المبكرة في أكتوبر 2021، تشهد البلاد شللا سياسيا تاما في ظل العجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.