أثار إعلان منظمة الصحة العالمية حالة طوارئ صحية عامة بشأن “تفشي مرض جدري القردة في العالم”، حالة من الجدل والترقب في دول عربية، وسط مخاوف من “تداعيات مرتقبة للمرض”، وتساؤلات حول إمكانية الانتشار.
وفي مؤتمر صحفي من جنيف، السبت، كشف مدير عام منظمة الصحة العالمية، تيدروس غيبرييسوس، تسجيل “أكثر من 16 ألف حالة إصابة بالمرض في 75 دولة”، مشيرا إلى “تسجيل وخمس وفيات” بسبب جدري القردة، وفقا لـ”الأمم المتحدة“.
هل يجب أن نقلق؟
وجاء إعلان حالة الطوارئ العالمية، ليؤكد أن تفشي المرض “حدث استثنائي” يمكن أن يمتد إلى المزيد من البلدان، ويتطلب استجابة عالمية منسقة، وفقا لـ أسوشيتد برس.
وفي هذا السياق، يشير أستاذ المناعة واللقاحات بجامعة أكسفورد، الدكتور أحمد سالمان، إلى “انتشار عالمي غير مسبوق” لمرض جدري القردة خاصة في أوروبا وأميركا، بعد أن كانت حالات الإصابة بالمرض “محدودة وتتركز في أفريقيا”.
ويتابع في حديث لموقع “الحرة”: “لا يوجد فهم واضح لسبب الانتشار الحالي خاصة أن التحورات الفيروسية لجدري القردة طفيفة جدا، ولذلك من المرجح ظهور عامل جديد للمرض تسبب في انتشار الفيروس بشكل أسرع”.
من جهته، يؤكد الاخصائي في علم الوبائيات، الدكتور أحمد الطسة، لموقع “الحرة”، أن “تفشي جدري القردة في اتساع” وهناك “مخاوف من ازدياد في حالات الإصابة”، ولذلك جاء تحذير منظمة الصحة العالمية لـ”أخد الأمر على محمل الجد”.
ويتفق مع هذا الرأي، استشاري الباطنة بالمعهد القومي للكبد والأمراض المعدية والمستشار الطبي للمركز المصري للحق في الدواء، الدكتور محمد علي عز العرب.
ويقول لموقع “الحرة”: “يهدف الإعلان للسيطرة على انتشار المرض الفيروس، بعد تفشيه بعدة دول مختلفة حول العالم”، في ظل “مخاوف من سيناريوهات مستقبلية لارتفاع عدد حالات الإصابة”.
وأشار عز العرب إلى “إمكانية توسع انتشار المرض إذا لم يتم التعامل بشكل جدي معه”، مشددا على أهمية “التنسيق الطبي بين الدول التي يظهر بها المرض”.
ويأتي التنسيق الطبي من خلال “توحيد خطط التعامل الدولي في مواجهة التفشي، وخصوصا بشأن طريقة الكشف على المصابين وسبل التعامل مع المرض وكيفية منع العدوى ونشر أساليب الوقاية بين المواطنين”، وفقا لحديث عز العرب.
وكشف عز العرب عن أهمية ذلك التنسيق لمواجهة “إي طفرات متوقعة لفيروس جدري القردة”، داعيا إلى “تخصيص تمويل دولي لتنسيق جهود اكتشاف علاجات للمرض وإنتاج لقاحات وتبادلها عالميا”.
ويتفق معه، الدكتور أحمد الطسة، الذي يؤكد أهمية “التنسيق الطبي العلمي والبحثي والتركيز على اكتشاف العلاجات التي تخفف المرض”، ومعرفة “وسائل الكشف المبكر عن الفيروس”، والاستفادة من “التجارب الغربية في التطعيم ضد جدري القردة”.
ووافقت وكالة الأدوية الأوروبية (إي إم إيه)، الجمعة، على استخدام لقاح “إيمفانكس” الذي تنتجه شركة “بافارين نورديك” الدنماركية، والمستخدم في مكافحة الجدري البشري، وتوسيع استخدامه ضد انتشار” جدري القردة”.
وفي عام 2013، حصل اللقاح على مصادقة الاتحاد الأوروبي، ويجري تسويقه تحت اسم “جينيوس” في الولايات المتحدة، بينما يُطلق عليه في أوروبا اسم “إيمفانيكس”، وفقا لـ”فرانس برس”.
ويشدد الدكتور أحمد سالمان أن لقاح جدري البشر فعال بنسبة كبيرة ضد “جدري القردة”، مشيرا إلى “مناعة فعالة لدى المطعمين ضد الجدري البشر خلال السنوات السابقة”.
ويمكن لـ”اللقاحات المضادة للجدري البشري المساعدة في مواجهة تفشي المرض”، ولذلك سعت عدة دول غربية لـ”تخزين مخزون كبير من تلك اللقاحات لمواجهة أي تفش مرتقب”، وفقا للدكتور أحمد الطسة.
هل الدول العربية في خطر؟
لم يلمح بيان منظمة الصحة العالمية إلى “تفشي المرض عربيا”، لكن عدة دول عربية أعلنت تسجيل حالات إصابة بجدري القردة خلال الفترة الماضية ومنها “لبنان والإمارات وقطر والمغرب”.
وفي 24 يوليو، أعلنت وزارة الصحة الإماراتية تسجيل 3 حالات جديدة للإصابة بجدري القردة، وفقا لوكالة الأنباء الرسمية “وام“.
وفي 22 يوليو، أعلنت لبنان رصد 4 حالات إصابة مؤكدة بفيروس جدري القرود، وتسجيل 20 حالة اشتباه، وفقا لموقع “وزارة الصحة اللبنانية“.
وفي 20 يوليو، أعلنت قطر تسجيل أول حالة إصابة مؤكدة بمرض جدري القردة في دولة قطر، وفقا لبيان لـ”وزارة الصحة القطرية“.
وفي 2 يونيو، أعلنت المغرب تسجيل حالة إصابة واردة بالمرض، وفقا لـ”وسائل إعلام مغربية“.
وتعليقا على ذلك، يقول الدكتور عز العرب، إن حالات الإصابة في الدول العربية مازالت “فردية”، لكن الأمر يستدعى “المزيد من التنسيق بين تلك الدول لمنع حدوث إصابات في المستقبل”.
ويبقى الوضع الوبائي لجدري القردة “متفاوت عربيا”، فهناك دول اتخذت إجراءات وقائية جادة لمواجهة المرض ودول أخرى ليس لديها إمكانيات صحية تخولها اكتشاف المرض، وفقا لرأي أحمد الطسة.
وحسب حديث الطسة فقد استطاعت “دول الخليج” فرض إجراءات وقائية لمنع تفشيه، بينما تعاني دول أخرى مثل “لبنان والعراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان” من انهيار المنظومة الصحية، ما يثير مخاوف من “انتشار غير مكتشف” للمرض بتلك الدول.
ولذلك يري عز العرب ضرورة تنسيق الجهود العربية لـ”احتواء إي إصابات جديدة ودراسة كافة الجوانب المتعلقة بسبل الوقاية وطرق نقل العدوى بين المصابين”.
انتقال المرض
ويمكن للمرض الانتقال من خلال “المراحيض العامة، والرذاذ، ونقل الدم، والسوائل، واللعاب، وحتى باللمس”، بالمرض “سهل الانتشار”، وهنا “تكمن خطورته”، حسب حديث الطسة.
ويؤكد سالمان انتشار المرض عبر السوائل الجسدية مثل “الدم واللعاب والصديد في البثور فضلا عن التلامس الجسدي المباشر والعلاقات الجنسية”.