مع بدء المزارعين حصادهم الأول للقمح منذ غزو روسيا لأوكرانيا فبراير الماضي، تخفي قدرتهم على الصمود مشكلات كبيرة للصناعة الزراعية ذات الأهمية العالمية في البلاد والتي من المتوقع أن تستمر لفترة طويلة بعد الحرب.
وقالت صحيفة “وول ستريت جورنال” إن الحصاد الأول للقمح الأوكراني بعد الغزو الروسي سيكون اختبار مبكر لكيفية أداء الزراعة في البلاد.
وتشير القراءات المبكرة إلى عوائد منخفضة بسبب الطقس الحار ونقص الأسمدة. كما سيؤدي ضعف الحصاد إلى تفاقم المشاكل بالنسبة للعديد من المزارعين الذين لم يتمكنوا من بيع جميع محاصيلهم ويكافحون بالفعل لتمويل الجولة التالية من الزراعة.
وسوف تستغرق استعادة البنية التحتية المدمرة بسبب الحرب الروسية وعودة العمال إلى الحقول وقتا طويلا، بحسب الصحيفة الأميركية.
في قرية ريفنوبيليا الواقعة بمنطقة تشيرنيف على بعد حوالي 80 كيلومترا شمال العاصمة كييف، كان ميشا أنانينكو على جرار عندما انفجر لغم تحته مما أدى إلى تفجر الأرض.
وبعد أن خرج سالما عاد في اليوم الثاني للعمل قائلا: “الزراعة هي دائما صراع”.
في حين أن الاتفاق الأخير بين موسكو وكييف لمنح شحنات الحبوب ممرا آمنا من الموانئ المحاصرة في أوكرانيا يوفر بعض الأمل في تعزيز الصادرات بمرور الوقت، يقول العديد من المزارعين إنهم لا يثقون في أن الاتفاق سيصمد.
وبعد وقت قصير من توقيع الصفقة، استهدف هجوما صاروخيا روسيا ميناء أوديسا ما يمثل اتهاكا لشروط الاتفاقية التي توسطت فيها الأمم المتحدة.
والجمعة، قال مسؤولون أوكرانيون إن الشحنات الأولى من الحبوب ستصدر خلال الأيام القليلة المقبلة.
ويمكن أن تساعد قدرة الزراعة الأوكرانية في التخفيف من ضغوط الإمدادات الغذائية العالمية وتخفيف ارتفاع الأسعار. كما أنه مهم لقدرة أوكرانيا على التعافي بعد الحرب.
وتوظف الزراعة 14 بالمئة من سكان أوكرانيا وفي عام 2021 استحوذ القطاع على أكثر من 40 بالمئة من صادرات البلاد البالغة 68 مليار دولار، وفقا لوزارة الزراعة الأميركية.
ومع ذلك، لا يتوقع العديد من المزارعين تعافي القطاع تماما. وقال إيفان كريوتشكوف، الذي بدأ حصاد القمح في نهاية الأسبوع الماضي، إن الزراعة الأوكرانية ستعود ببطء شديد.
وقال كريوتشكوف الذي يدير عمليات شركة “آي إم ي” الزراعية في منطقة تشيرنيهيف، إن القوات الروسية ألغمت أرضه وسرقت معداته.
وقال إن حوالى 90 بالمئة من أراضي الهيئة الطبية الدولية في منطقة تشيرنيهيف لا يمكن زراعتها بالمحاصيل الربيعية مثل الذرة وعباد الشمس بسبب الاحتلال ووجود الألغام والذخائر الأخرى في الحقول.
وكانت القوات الروسية اجتاحت معظم المنطقة خلال الأيام الأولى للغزو قبل أن تتركز المعارك في وقت لاحق بمنطقة دونباس شرق البلاد.
“عقد من الزمان”
ووقعت إحدى المعارك الأولى في تشيرنيهيف على الطريق السريع خارج مزرعة ميكولا بونومارينكو، وهي بقعة لا تزال تتواجد فيها أغلفة الرصاص والمركبات المحترقة.
أحصى بونومارينكو 18 حفرة في حقوله، والتي يستخدمها لزراعة الذرة والقمح والبطاطس. وقال إنه عندما انسحب الجنود الروس، قطعوا الأسلاك الهيدروليكية لجراراته وسرقوا سيارتين وأدوات بعشرات الآلاف من الدولارات وحتى آلة صنع القهوة الخاصة به.
وتنفي روسيا استهداف المدنيين وصناعة الزراعة الأوكرانية.
وقال بونومارينكو، الذي بدأ حصاده الأسبوع الماضي، إنه فقد أكثر من نصف مليون دولار من بذور البطاطس عندما تم تفجير مكان تخزينه بالقرب من كييف.
كانت الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب أسفرت عن أضرار بنحو 4.3 مليار دولار للزراعة الأوكرانية وخسائر في المحاصيل والآلات والمرافق وعوامل أخرى، وفقا لكلية كييف للاقتصاد.
ويعد الافتقار إلى التمويل أحد أبرز مشاكل الزراعة في أوكرانيا، حيث يحتاج المزارعون إلى الأموال لدفع تكاليف موسم الزراعة المقبل. وتبدأ زراعة القمح في سبتمبر، فيما تزرع بذور الذرة وعباد الشمس، والتي يمكن أن تكون باهظة الثمن في الربيع.
مثل غيره من المزارعين، كافح بونومارينكو لبيع محصوله الأخير بقيمة 2800 هريفنا أي ما يعادل حوالي 76 دولارا مقابل طن من القمح كان يجلب له ذات مرة 8000 هريفنا.
وبحسب الأستاذ في قسم التاريخ في جامعة بوردو، دوغ هيرت، فإن الحروب لها تأثير دائم على المزراعين.
وقال هيرت وهو متخصص في تاريخ الزراعة، إن إنتاج الحبوب الأوروبية استغرق عدة سنوات قبل التعافي بعد الحرب العالمية الأولى، مضيفا: “لا يزال المزارعون في مناطق معارك الحرب العالمية الأولى يجدون أحيانا ذخائر غير منفجرة أثناء الحفر بعد أكثر من قرن”.
وتابع: “هناك حاجة لسنوات غالبا عقد من الزمان أو أكثر لإعادة الزراعة إلى ما يشبه وضعها الطبيعي بعد الحرب” الروسية.