التخطي إلى المحتوى

يكتسي توقيع الجزائر لاتفاق تسريع إنجاز خط الغاز العابر للصحراء، من النيجر ونيجيريا نحو البحر المتوسط أهمية استراتيجية، في خضم فوضى أسواق الطاقة جراء الحرب الروسية على أوكرانيا، وتهديدات موسكو المستمرة بـ “سلاح الغاز” في القارة الأوروبية.

روسيا عملت على استخدام الغاز كورقة ضغط منذ غزوها للجارة أوكرانيا قبل  خمسة أشهر، وهو السبب الذي أربك الدول الأوروبية من ناحية توفير متطلباتها من الغاز، خصوصا وأن القارة تعرف تراجعا حادا لدرجات الحرارة خلال الشتاء.

هذه الظروف جعلت إمدادات الغاز الإفريقية في دائرة الضوء بشكل متزايد في وقت يتطلع الاتحاد الأوروبي إلى تقليص الاعتماد على الغاز الروسي.

وفي غمرة ذلك، ظهرت الجزائر، وهي أكبر مصدر للغاز الطبيعي في إفريقيا، لتكون بديلا “موثوقا به”، وفق تعبير المحلل المختص بأسواق الطاقة عبد المالك سراي.

سرّ التوقيت

شهدت الجزائر، طلبا متزايدا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث تجوب الدول الغربية العالم بحثا عن إمدادات تعوض الغاز الروسي.

والجزائر مورد طاقوي رئيسي لبعض الدول الأوروبية وبالأخص إسبانيا، والبرتغال، وإيطاليا، ثم بدرجة أقل فرنسا. 

لكن خط أنابيب الجزائر الذي كان يمر لإسبانيا عبر المغرب، توقف العام الماضي، بقرار جزائري، بسبب خلافات سياسة مع المملكة المغربية انتهت بقطع العلاقات بينهما، بقرار جزائري كذلك.

لذلك، عملت الجزائر على الالتزام بتعهداتها في المجال، عبر تخصيص سفن بحرية لإيصال الغاز المسال لإسبانيا، لتعويض الفارق في السعة بين خطها المباشر نحو هذا البلد الأوروبي الجار، إلى حين تفعيل مشروع “الخط العابر للصحراء”.

“هذا يدحض الرأي القائل بأننا ننافس المغرب في مجال إيصال الغاز لأوروبا” يقول سراي في حديث لموقع الحرة.

وعمل المغرب على مشروع موازٍ لنقل الغاز من نيجيريا نفسها إلى إسبانيا عبر 12 بلدا من غرب أفريقيا لينتهي إلى مدينة طنجة، ثم إسبانيا “منذ 2017” ، وفقا للمديرة العامة للمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن بالمغرب، أمينة بنخضرة خلال مداخلة لها في منتدى في كرانس مونتانا.

خط أنابيب الغاز العابر للصحراء “تي أس جي بي”، سينقل مليارات الأمتار المكعبة من الغاز من نيجيريا في غرب إفريقيا إلى النيجر شمالا ثم إلى الجزائر. 

ومن هناك، يمكن ضخ الغاز عبر خط أنابيب عبر المتوسط “ترانسميد” إلى إيطاليا، أو تصديره بواسطة ناقلات الغاز الطبيعي المسال إلى دول أوروبية أخرى.

“لن يرى النور”

لكن هذا المشروع “لن يرى النور” لعدة اعتبارات وفق المحلل المغربي المقيم في واشنطن، سمير بنيس.

بنيس تساءل عن سبب تأخر إنجاز المشروع رغم أن الجزارئيين بدأوا في الحديث عنه منذ 2009، وقال في حديث لموقع الحرة إن المشروع “من وجهة النظر الاقتصادية والأمنية، سيفشل”.

وفي تفصيله للأسباب التي جعلته يصل لهذه الرؤية، قال بنيس إن تلك المنطقة تعتبر ملاذا آمنا للجماعات الإرهابية “ولم تستطع الجزائر ولا نيجيريا تأمينها بالكامل”.

وبينما وصف بنيس “الجزائر ببلد لا يتمسك بتعهداته ويستخدم أوراقا تجارية لابتزاز بلد آخر لم يتفق معه دبلوماسيا” اعتبر هذا المعيار عاملا أساسيا في فشل المشروع وفق رؤيته.

لكن المحلل الجزائري سراي يرى غير ذلك، حيث وصف علاقة بلاده بالدول الأفريقية بالمبنية على الثقة وقال: “الجزائر تربطها علاقة قوية مع نيجيريا منذ الاستقلال” ثم تابع “أنا شخصيا اجتمعت مرار بمسؤولين من نيجيريا وأكدوا لي ذلك” ثم مضى مؤكدا أن مشروع الخط العابر للصحراء “جاء تكليلا لهذه العلاقة المميزة”.

مضمار منافسة جديد؟

سراي نفى في سياق حديثه، أن تكون الجزائر منافسا للمغرب في المجال، وقال إن للمغرب الحق في أن يسعى لنقل الغاز من أي بلد أفريقي “لكن لا مجال للمقارنة مع الجزائر” حسب قوله.

وكشف في السياق أن أنبوب الغاز الذي سينطلق من نيجيريا جاهز، وأن الجزائر تكفلت بمساعدة النيجر، لتسريع وتيرة الأشغال بالقسم الذي يمر فيها، قائلا إن تكلفة هذا المشروع أكثر واقيعة من مشروع المغرب.

وقال: “مشروع المغرب يمر عبر 12 دولة بينما مشروعنا يمر عبر ثلاثة دول فقط، بالتالي من سيكون الأصعب للتحقيق؟”.

سراي عاد ليقول أن المشروع الجزائري مع نيجيريا لا يتعارض مع المشروع المغربي لكنه أبدى شكوكا حول قدرة المغرب على تحقيقه بينما عبرت شركات روسية كانت ستمول المشروع، مؤخرا، عن عدولها عن ذلك، وفقا لوسائل إعلام.

وبخصوص عدم تعارض المشروع الجزائري مع الخط المغربي الذي يمر عبر دول غرب أفريقيا، عاد المحلل المغربي سمير بنيس ليقول إن “الجزائر كانت دائما تعارض المصالح المغربية” مذكرا بتوقيفها الخط المغاربي للغاز الذي كان يمر عبر المغرب “كمساومة ضد المملكة” حسب قوله.

وبالحديث عن علاقات الجزائر بدول الجوار، قال بنيس “لم تجدد الجزائر اتفاق الخط الذي كان يمر عبر المغرب كوسيلة للضغط عليها وكانت تعلم جيدا أن ذلك سيضر إسبانيا كذلك”.

ثم تابع “عندما غيرت مدريد موقفها من ملف الصحراء الغربية، حاولت الجزائر، ابتزازها بالغاز” وتساءل “كيف يمكن أن نصف هذه العلاقات بالمبنية على الثقة؟”.

في المقابل، لم يستخدم المغرب أي سلاح وبالأخص المشاريع التجارية مع إسبانيا في أوج سنوات الخلاف مع مدريد، يؤكد بنيس، قبل أن يستدرك “الجزائر سارعت لتجسيد هذا المشروع، لتقطع الطريق أمام المغرب”.

“لا مجال للمقارنة”

سراي رد على هذه الفكرة، بالقول إنه لا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنة البلدين، لأن الجزائر بلد لديه تاريخ في استخراج الطاقة والتكرير والنقل، وقال “سونطراك أكبر شركة طاقوية في أفريقيا، وهذا يكفي ليؤكد أننا لا ننافس أحد في المجال” في إشارة إلى أن الجزائر تضطلع للعب دور إقليمي محوري، بعيدا عن أي منافسة.

وتملك نيجيريا، العضو في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، موارد ضخمة من الغاز، تشكل أكبر احتياطي مؤكد في إفريقيا وسابع أكبر احتياطي عالمي.

وقبل أربع سنوات، اتفق العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس النيجيري محمد بخاري على المشروع الضخم لنقل الغاز على طول ساحل المحيط الأطلسي في صفقة وقعت عام 2017.

كما أجرت الجزائر محادثات مع نيجيريا منذ العام 2002 بشأن خط أنابيب مماثل يعبر منطقة الساحل، والذي من المزمع انطلاقه قريبا، بموجب الاتفاقية الموقعة الخميس.

Scan the code