غداة توقيع الجزائر مذكرة تفاهم لتسريع مشروع إنشاء خط أنابيب غاز عابر للصحراء، بالموازاة مع مشروع مماثل للمغرب، قالت مسؤولة مغربية إن هناك اتصالات جارية بين الرباط ومؤسسات أوروبية من أجل تفعيل الخط الرابط بين نيجيريا وطنجة.
وفي تصريح خصت به صحيفة “لوماتان” المغربية الناطقة بالفرنسية، قالت المديرة العامة للمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن المغربي أمينة بنخضرة، إن هناك فرصة سانحة للمغرب لتفعيل مشروعه “حيث يحتاج شركاؤنا الأوروبيون، إلى هذه البنية التحتية”.
وتابعت “نحن نعمل على اغتنام هذه الفرصة، ولهذا، تجري الاتصالات من أجل تجسيد المناقشات”.
جاء تصريح بنخضرة بعد ثلاثة أيام من توقيع الجزائر لمذكرة تفاهم، في 28 يوليو الماضي، لتسريع مشروع إنشاء خط أنابيب غاز عابر للصحراء يبدأ من نيجيريا ويمر عبر النيجر، ثم يربط بأنبوب الجزائر الممتد في صحرائها نحو الشمال القريب من أوروبا.
المتتبع لسير الأحداث المرتبطة بالمشروعين مؤخرا يلمس تنافسا بين البلدين لتجسيدهما على أرض الواقع في أقرب وقت ممكن، وسط التوتر الحاصل في إمدادات الطاقة نحو أوروبا في الضفة المقابلة للجزائر والرباط، إثر الحرب الروسية على أوكرانيا والعقوبات التي تلتها على موسكو.
فهل يدخل تصريح المسؤولة المغربية في إطار التنافس بين البلدين الجارين؟ وما سر توقيت التصريح الذي جاء مباشرة بعد توقيع الجزائر لنص اتفاق تسريع مشروعها؟
خلاف محموم
في نظر المحلل المغربي، أشرف الطريبق، فإن “الخلاف المحموم بين البلدين” والذي تكلل بقطع العلاقة بينهما، لا يدع مجالا لاعتبار ما يجري في نطاق القطاع الاقتصادي والنفطي على وجه التحديد، غير “تنافس” بينهما.
وفي حديث لموقع الحرة، لفت الطريبق إلى السباق الجزائري المغربي، من حيث دعم علاقاتهما الثنائية مع بلدان أخرى.
وضرب مثلا بتقوية علاقات كل بلد منهما مع بلدان تجدها لا تتفق كثيرا مع البلد الآخر.
وقال “المغرب تقوي علاقاتها مع إسبانيا وإسرائيل، والجزائر تدفع بعلاقاتها مع ألمانيا وكل هذا يدخل في إطار ما سلف ذكره” يقول الطريبق.
وأضاف إن كل هذه الجهود تدل على أن “واقع العلاقات بين الجزائر والمغرب ليس طبيعيا”.
رقم صعب
بالحديث عن مشروعي نقل الغاز للبلدين، قال الطريبق إن الجزائر سعت دائما لتكون “رقما صعبا في معدالة الطاقة اكتشافا ونقلا” مشيرا إلى أن مشروع الخط العابر للصحراء الجزائري، يعود لسنوات الثمانينيات.
الامتداد الزمني للمشروع جعل المحلل الجزائري، فيصل مطاوي، ينفي أن تكون بلاده بصدد منافسة المغرب أو أي بلد آخر في مجال تصدير الغاز.
وقال في حديث لموقع الحرة إن للمغرب الحق في بحث مشاريع تدر عليه أرباحا مادام هو الآخر قريبا من أوروبا، لكن الجزائر ليست بصدد منافسته في هذا المضمار.
لكنه عاد ليقول: “أعتقد أن الأنبوب الجزائري تقدمت به الأشغال منذ عدة سنوات، لكن الأنبوب المغربي سيتطلب وقتا أطول وأرصدة مالية أضخم” وهو ما يعطي انطباعا بأن هناك منافسة بين البلدين.
يذكر أن بنخضرة، قالت في حديثها للصحيفة المغربية الناطقة بالفرنسية، إن المغرب ينوي توفير التمويل من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص، إلى جانب المستثمرين على اختلاف أنواعهم، وذكرت الصناديق السيادية، وبعض الدول، وشركات النفط، ومجموعة من المانحين والبنوك الدولية.
وقالت “أوروبا ترى في هذا المشروع وسيلة لتنويع إمداداتها” ثم تابعت مؤكدة أن هناك فرصة سانحة لتوقيع اتفاقات مع أوروبا وقالت “يحتاج شركاؤنا الأوروبيون، الذين هم مفتاح الجدوى الاقتصادية للمشروع، إلى هذه البنية التحتية”.
وفي تعليقه على مساعي المغرب، استبعد مطاوي أن تكون هناك منافسة محتدمة بين البلدين في هذا الخصوص وقال إن الرباط تبحث توفير مصادر طاقوية ومالية من خلال تجسيد هذا المشروع، مشيرا إلى أن ذلك لا يمكن أن يزعج أي بلد.
وقال “في نهاية الأمر القرار يخص نيجيريا، فهي الدولة التي أرادت أن توصل منتوجها من الغاز عن طريق أنبوبين” في إشارة إلى أنه ليست هناك منافسة بين المغرب والجزائر في المجال.
في هذا الصدد، ذكر المحلل المغربي، أشرف الطريبق، بأن المشروع المغربي ابتدأ منذ سنة 2016، وليس غداة توقيع الجزائر اتفاقها مع نيجيريا والنيجر.
وقال إن بداية التفكير في المشروع انطلقت بعد زيارة العاهل المغربي، محمد السادس، لنيجيريا في 2016، حيث تم التطرق لسبل دعم العلاقات المغربية النيجيرية، إثر بداية انفتاح المغرب على الاتحاد الأفريقي.
موقف مؤسف
في سياق تحليل ظروف بداية المشروع، ووتيرة سيره، لفت الطريبق إلى أن خط المغرب يسير بخطى ثابتة هو الآخر “استجابة للإرادة السياسية” وفق تعبيره.
وقال”من الطبيعي ألا يربط المغرب أمنه الطاقوي بدولة تعادي وحدته الترابية مثل الجزائر” وهو سر بحثه عن بدائل أخرى من جهة، “ويضمن موقعا استراتيجيا تجاه الجارة الأوروبية من جهة ثانية” .
والجزائر تدعم جبهة “البوليساريو” المطالبة باستقلال الصحراء الغربية، المستعمرة الإسبانية السابقة، بينما يرفض المغرب ذلك، لصالح مقترح حكم ذاتي للمنطقة.
وبالعودة إلى علاقة المشروعين والتنافس بين الجزائر والمغرب في المجال، قال الطريبق بأن الجزائر لما رأت بأن الخط المغربي يسير بخطى ثابتة، “سارعت لتحقيق حلم الثمانينيات” وفق تعبيره.
الطريبق وصف المشروع الجزائري بحلم الثمانينيات بحكم أن أول حديث عنه بدأ سنة 1989 لكن المشروع تعثر بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في الساحل الأفريقي، وتراجع القدرة الاقتصادية للجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي، في خضم مرحلة الإرهاب التي عرفتها.
الطريبق قال كذلك: “لقد كان هناك تسريع بالجزائر من أجل الاتفاق مع النيجر ونيجيريا عندما رأوا سعي المغرب لإنجاح مشروعه” في إشارة إلى أن هناك بالفعل منافسة بين البلدين.
لكن فيصل مطاوي، المحلل الجزائري، يرى بأن المشروع الجزائري الذي يعود لأكثر من عقدين، تعثر بفعل الأوضاع الأمنية في النيجر، بينما أعيد إحياؤه وتسريع وتيرته بالنظر إلى حاجة السوق الأوروبية للغاز في ظروف الحرب الروسية على أوكرانيا، وليس تماشيا مع سير وتيرة المشروع المغربي.
الطريبق من جانبه لفت إلى أمر مهم في نظره وهو استفادة البلدان الأخرى من “الخصومة” الجزائرية المغربية على حد تعبيره.
وضرب مثلا بنيجيريا التي وإن التزمت الحياد ووقعت مشروعين مع البلدين، هي في الحقيقة تستفيد ماديا من هذا الخلاف، وكذلك إسبانيا، وفقه.
وختم يقول “الموقف مؤسف باالنسبة للشعبين الجزائري والمغربي، حيث أن ثرواتهما تستفيد منها دول أخرى بفعل الخلاف المرير بين النظامين”.
وسينقل خط أنابيب الغاز العابر للصحراء “تي اس جي بي” مليارات الأمتار المكعبة من الغاز من نيجيريا في غرب إفريقيا الى النيجر شمالا ثم إلى الجزائر.
ومن هناك يمكن ضخ الغاز عبر خط أنابيب عبر المتوسط “ترانسميد” إلى إيطاليا، أو تصديره بواسطة ناقلات الغاز الطبيعي المسال.
بينما يمتد خط أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب، على طول يناهز 5660 كيلومترا”، وسيتم “تشييده على عدة مراحل ليستجيب للحاجيات المتزايدة للدول التي سيعبر فيها وأوروبا خلال الـ25 سنة القادمة”.
ومخزون الغاز في نيجيريا، وهي أيضا منتج كبير للنفط، ضخم حيث تملك اكبر احتياطي مثبت من الغاز في أفريقيا وسابع احتياطي في العالم.