عادت قضية تايوان إلى الظهور مجددا في صلب العلاقات الأميركية الصينية، بعد التقارير التي أفادت بأن رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، ربما تزور تايوان، ضمن جولة أسيوية بدأتها نهاية الأسبوع، لتعيد تسليط الضوء على قضية لطالما أثارت أزمات دبلوماسية بين البلدين.
وأعربت الصين عن غضبها من هذه الزيارة المحتملة، وقال المتحدث باسم الخارجية، تشاو ليجيان، إنه بسبب وضع بيلوسي “المسؤول الثالث للحكومة الأميركية”، فإن زيارة تايوان، التي تدعي الصين أنها مقاطعة خاصة بها، “ستؤدي إلى تأثير سياسي فظيع”.
وفي مايو الماضي، أشار الرئيس الأميركي ، جو بايدن، إلى إمكانية أن ترد الولايات المتحدة عسكريا للدفاع عن تايوان، إذا حاولت الصين الاستيلاء عليها بالقوة.
وتسلط هذه المواقف الضوء على تاريخ طويل للسياسة الخارجية الأميركية مع هذا الملف، وموقف واشنطن من تايوان الذي يوصف بالغموض، قبل أن يظهر بايدن قدرا من التحول، ثم محاولة مساعديه شرح هذا الموقف بما يتناسب مع الموقف الثابت من المسألة.
وتعوذ جذور القضية إلى عام 1949 عندما فر تشانغ كاي شيك، زعيم حزب الكومينتانغ القومي الحاكم في الصين، إلى تايوان وشكل حكومة منفصلة بعدما خسر الحرب لصالح القوات الشيوعية بقيادة ماو تسي تونغ.
ومن هناك، واصل تشيانغ المطالبة بكامل الصين، في مقابل مطالبة البر الرئيسي الصيني بتايوان كجزء من أراضيها، وعدم استبعاد استخدام القوة لاستعادتها.
وظل الاسم الرسمي لتايوان هو “جمهورية الصين” في حين أن البر الرئيسي أطلق عليه “جمهورية الصين الشعبية”.
وعلى مدى عقود من فرار تشيانغ إلى الجزيرة، اعتبرت واشنطن قادة تايبيه (عاصمة تايوان) حكومة الصين الشرعية، ولم تكن هناك علاقات رسمية مع بكين قبل أن يتغير هذا الموقف في عام 1979.
وفي عام 1992، اتفقت الحكومة التايوانية بقيادة حزب الكومينتانغ مع البر الصيني الرئيسي على أن هناك “صين واحدة” من دون تغيير الواقع على الأرض.
ومنذ أواخر التسعينيات، تحولت تايوان من حكم استبدادي إلى ديمقراطية نابضة بالحياة وظهرت هوية تايوانية مميزة تدعو للاستقلال.
وفي حين يؤيد التايوانيون التقارب مع الصين القارية، بشكل خاص في مجال التجارة، يرفض معظمهم “الوحدة” معها.
ويعتبر الحزب الحاكم الحالي، بقيادة الرئيسة تساي إنغ ون، تايوان دولة ذات سيادة وليست جزءا من الصين. ومع الخطاب الصين العدائي المتزايد في السنوات الأخيرة زادت شعبية حركة الاستقلال التايوانية.
تغير الموقف الأميركي
في عام 1979، ألغت الولايات المتحدة برئاسة جيمي كارتر الاعتراف بـ”جمهورية الصين” وأقرت بحكومة بكين كممثل وحيد للصين، ومع ذلك، رفضت الاعتراف بالسيادة الصينية على تايوان، وفق موقع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) الأميركي.
ويعني هذا أن واشنطن لا توافق على مطالبة بكين بالسيادة، ولا تتفق مع تايبيه على أن “جمهورية الصين” دولة مستقلة وذات سيادة.
وهكذا، احتفظت الولايات المتحدة بعلاقات رسمية مع “جمهورية الصين الشعبية” وبعلاقات غير رسمية مع تايوان.
وأكدت الإدارات الأميركية المتعاقبة على سياسة “الصين الواحدة” أي الإقرار بأن تايوان جزء من الصين دون سيادة بكين عليها، وهو ما مكن من الحفاظ على الاستقرار في مضيق تايوان، وترك للجانبين العمل على حل دون استخدام القوة لتغيير الوضع، وفق فرانس برس.
وأصبح البر الرئيسي شريكا تجاريا رئيسيا للولايات المتحدة، لكن في الوقت ذاته، حافظت الولايات المتحدة على دعم تايوان بوسائل عدة.
وعلى إثر الاعتراف بالصين الشعبية، أقر الكونغرس الأميركي “قانون العلاقات مع تايوان” الذي نظم العلاقات مع الجزيرة والمصالح الأمنية والتجارية للولايات المتحدة.
وتقول وزراة الخارجية الأميركية إن تايوان “كدولة ديمقراطية رائدة وقوة تكنولوجية تعد شريكا رئيسيا للولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ”.
وبموجب قانون الكونغرس، يتعين على الولايات المتحدة بيع الإمدادات العسكرية لتايوان لضمان دفاعها عن النفس ضد القوات المسلحة الأكبر حجما في بكين.
وتدعم الولايات المتحدة تايوان في الحصول على عضوية المنظمات الدولية عندما لا يكون إنشاء الدولة متطلبا، وفق الوزارة.
ومن الناحية النظرية، لا توجد سفارة رسمية للولايات المتحدة في تايبيه، لكن واشنطن تدير هناك مركزا يسمى المعهد الأميركي في تايوان (AIT) الذي يؤدي خدمات قنصلية، وهو وفق الخارجية الأميركية “منظمة غير حكومية مفوضة بتنفيذ العلاقات غير الرسمية للولايات المتحدة مع تايوان”.
وتقول وزارة الخارجية الأميركية إنه رغم عدم وجود تمثيل دبلوماسي “نتمتع بعلاقة غير رسمية قوية بالإضافة إلى مصلحة دائمة في الحفاظ على السلام والاستقرار في مضيق تايوان”.
ولدى تايوان ما يسمى “مكتب تايبيه للتمثيل الاقتصادي والثقافي (TECRO)” في واشنطن، ولديه فروع في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
وتربط الولايات المتحدة وتايوان علاقات تجارية ومالية “عميقة ومتنامية”، وتايوان ثامن أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، والأخيرة ثاني أكبر شريك تجاري لتايوان. وقد بلغ الاستثمار التايواني في الولايات المتحدة ما يقرب من 137 مليار دولار عام 2020.
ويعقد الجانبان اجتماعات دورية للتعاون الاقتصادي وتوفير فرص العمل، وكذلك يتعاونان في مجالات طبية وعلمية وتعليمية.
وتايوان سابع أكبر مصدر للطلاب الدوليين إلى الولايات المتحدة، وأصبحت عضوا في برنامج الإعفاء من التأشيرة الأميركية عام 2012.
ورغم عدم وجود معاهدة دفاع مشترك بينهما، تبيع الولايات المتحدة المعدات العسكرية لتايوان، و”توفر المواد والخدمات الدفاعية حسب الضرورة لتمكين تايوان من الحفاظ على قدرة كافية للدفاع عن النفس” وفق الخارجية.
وفي الوقت ذاته “تواصل الولايات المتحدة تشجيع الحل السلمي للخلافات” بين تايوان والصين.
“الغموض الاستراتيجي”
وأبقت واشنطن طيلة العقود الماضية على ما يسمى “الغموض الاستراتيجي” بشأن ما إذا كانت ستتدخل عسكريا في الجزيرة، وهي سياسة مصممة لدرء غزو صيني، وثني تايوان عن إعلان الاستقلال رسميا.
وتقول فرانس برس إن هناك نقاشا متزايدا بين الحزبين الكبيرين في واشنطن بشأن ما إذا كان التحول إلى “الوضوح الاستراتيجي” هو الأفضل حاليا، بالنظر إلى نهج بكين العدائي المتزايد تجاه تايوان في السنوات الأخيرة.
وعندما سئل بايدن عما إذا كانت الولايات المتحدة ستتدخل عسكريا ردا على غزو صيني لتايوان، أجاب: “نعم، هذا هو الالتزام الذي قطعناه”.
وقال مسؤول في البيت الأبيض في وقت لاحق إن سياسة الولايات المتحدة لم تتغير وإن بايدن “كرر التزامنا بموجب قانون العلاقات مع تايوان بتزويد تايوان بالوسائل العسكرية للدفاع عن نفسها”.
وفي محاولة لتوضيح موقف بايدن، قال وزير الدفاع، لويد أوستن، إن تعليق بايدن الأخير “سلط الضوء على التزامنا بموجب قانون العلاقات مع تايوان للمساعدة في تزويدها بالوسائل للدفاع عن نفسها”.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايسن الثلاثاء: “الرئيس بايدن لم يعلن أي تغيير في السياسة الأميركية تجاه تايوان”.
وتقول محطة “إيه بي سي” الأميركية إن هذا “الارتباك” هو تذكير بموقف واشنطن من “الغموض الاستراتيجي” عندما يتعلق الأمر بتايوان وهو يهدف إلى “ترك الصين تخمن ما الذي ستفعله الولايات المتحدة بالضبط، إذا كان هناك غزو”.
وهذه هي المرة الثالثة التي يثير فيها بايدن ضجة كبيرة بتعليقاته بشأن حماية تايوان، فقد ذكر في مقابلة في أغسطس الماضي أن علاقة الولايات المتحدة معها تشبه التزام واشنطن تجاه “حلف الناتو” الخاص بالدفاع عن أعضائه ضد أي هجوم.
وقال بايدن في أكتوبر الماضي: “لدينا التزام” بالدفاع عن تايوان.
وبينما حاول مسؤولو البيت الأبيض التخفيف من تصريحاته في المرتين، عاود بايدن التصريح بذلك، لكن هذه المرة من مسافة قريبة من الصين وتايوان، حين كان يزور اليابان.