لم تكن الزيارة المثيرة للجدل التي قامت بها رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، إلى تايوان، سوى أحدث فصل من تاريخ طويل لها مع الصين، امتد لأكثر من ثلاثة عقود، وكشف عن مواقف “راسخة” و”صلبة” لبيلوسي، منذ كانت نائبة في الكونغرس قبل أن تتولى منصبها الحالي.
وتشير صحيفة نيويورك تايمز إلى أن بيلوسي، التي كانت نائبة ديمقراطية عن ولاية كاليفورنيا، سبق أن زارت هونغ كونغ، عام 1991، برفقة عضوية آخرين في الكونغرس، للتعبير عن التضامن مع معارضي الحكومة وضحايا أحداث ميدان تيانانمن.
ومن هناك تسلل أعضاء الكونغرس الثلاثة في هذه الزيارة إلى الميدان الضخم في بكين، حيث تم إخماد التمرد بوحشية قبل عامين من ذلك الوقت، ورفعوا لافتة باللغتين الصينية والإنكليزية تقول: “إلى أولئك الذين ماتوا من أجل الديمقراطية في الصين”.
وأثار هذا رد فعل سريعا من الشرطة ونزاعا دبلوماسيا، رغم أن هذا الحدث لم يثر ضجة كتلك التي أثارتها الزيارة الحالية لبيلوسي، التي تشغل حاليا منصب رئيسة مجلس النواب.
لكن الحدثين مرتبطان بمواقف بيلوسي الممتدة لعقود بشأن الصين، والجدل الحالي هو فقط الأحدث في مسيرتها المهنية بشأن مواقف الحكومة الصينية، وكان مثالا آخر على عدم تخلي “أقوى امرأة في واشنطن” عما تعتبره معركة جديرة بالاهتمام.
“لا تستسلم”
وأكد مقربون منها أن تسريب خططها بشأن زيارة تايوان ما كان ليثنيها عن الذهاب إلى هناك.
وقال النائب الديمقراطي، جيم ماكغفرن، الذي عمل مع بيلوسي في قضايا حقوق الإنسان المتعلقة بالصين: “لقد اختاروا الشخص الخطأ.. إنها شخص لا يمكن تخويفه. إنها لا تستسلم للمتنمرين”.
ويقول التقرير إنها نادرا ما تتراجع عن مواقفها رغم التهديدات العلنية من خصومها، وفي بعض الأحيان كانت تبذل قصارى جهدها لتذكيرهم بصلابة موقفها.
ورغم وصف تصرفها بـ”المتهور”، إلا أن الزيارة تتماشى مع موقفها الراسخ بضرورة محاسبة الصين على تعاملها مع التبت وهونغ كونغ والأقليات والنشطاء السياسيين.
وعملت بيلوسي في الكونغرس، منذ فترة طويلة، على دفع التشريعات الخاصة بهونغ كونغ والتبت، واستضافت الدالاي لاما، الزعيم الروحي للتبت، في الكونغرس، ودعت إلى مقاطعة الألعاب الأولمبية في بكين.
وخالفت الرئيس الأسبق بيل كلينتون، عندما سعى لمنح الصين مكانة تجارية تفضيلية، وهو ما كان يرى أنه سيساعد على تحسين وضع حقوق الإنسان في الصين، لكن بيلوسي عارضت ذلك بشدة.
الصين من جانبها، انتبهت إلى مواقف بيلوسي، ووصفت دعوتها لمقاطعة الألعاب الأولمبية بنشر “الأكاذيب والتضليل” ولعب “ألعاب سياسية بغيضة” باستخدام حقوق الإنسان كذريعة لـ “تشويه سمعة الصين والافتراء عليها”.
وفي مقال رأي، نُشر يوم الثلاثاء، في صحيفة واشنطن بوست، ذكّرت بيلوسي برحلتها إلى ميدان تيانانمن قبل 30 عاما.
“لماذا أذهب إلى تايوان” الآن؟.. بيلوسي تكشف أسباب الزيارة و”التعهد القديم”
أكدت رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، التي وصلت تايوان في زيارة مثيرة للجدل أنها قدمت إلى هناك للوفاء “بتعهد” قديم، مشيرة إلى أن الزيارة توجه “رسالة لا لبس فيها” بشأن الوقوف إلى جانب الجزيرة
وكتبت: “منذ ذلك الحين، يستمر سجل بكين السيئ في مجال حقوق الإنسان وتجاهلها لسيادة القانون، حيث يشدد الرئيس شي جينبينغ قبضته على السلطة”.
وأشارت إلى “القمع وحشي في هونغ كونغ، وحملة محو لغة أهل التبت وثقافتهم ودينهم وهويتهم، وإبادة جماعية في شينجيانغ ضد مسلمي الأيغور”.
وأكدت بيلوسي في المقال أنها قدمت إلى هناك لأنها “تعهدت رسميا” بدعم الدفاع عن تايوان، واعتبار أن “أي جهد لتحديد مستقبل تايوان بطرق أخرى غير الوسائل السلمية” هو “تهديد للسلام والأمن في منطقة غرب المحيط الهادئ ومثير للقلق الشديد”.
وأشار “حلفاء” رئيسة مجلس النواب، وفق تقرير نيويورك تايمز، إلى أن موقفها من الصين لا ينبع فقط من وجود ناخبين آسيويين في دائرتها في سان فرانسيسكو، ولكن أيضا بسبب خدمتها الطويلة في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، التي ترأستها في بعض الأوقات.
وقالت كارولين بارثولوميو، كبيرة موظفي بيلوسي السابقة التي أصبحت الآن عضوا في لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية بين الولايات المتحدة والصين: “هذا استمرار للعمل والقيادة التي تقوم بها منذ 33 عاما”.
وقال ماكغفرن عن الزيارة الحالية: “هذا ليس شيئا جاء من فراغ. لقد كانت هذه قضية يومية لها في الكونغرس. إنها مدافعة استثنائية عن حقوق الإنسان”.
بل وحظيت بتأييد قوي من الجمهوريين، الذين هم أشد منتقديها في قضايا أخرى، لكنهم أشادوا بقرارها. ومن بين هؤلاء، السيناتور الجمهوري، روي بلانت، الذي قال “أختصر ما قامت به في أربع كلمات: “السيدة بيلوسي على حق”.
وفي أعقاب هذه الزيارة، عادت التوترات بين الصين والولايات المتحدة بسبب الخلاف يشأن قضية تايوان، تلك الجزيرة التي تقع جنوب شرق الصين، والتي تدعي الأخيرة سيادتها عليها، فيما تدعمها واشنطن سياسيا وعسكريا.
وتعود جذور الخلاف بين القوتين العالميتين إلى سياسة “الصين الواحدة” التي تعني أن هناك دولة صينية واحدة وتايوان جزء منها، وفقا لبكين، فيما ترفض واشنطن بموجب “قانون العلاقات مع تايوان” الاعتراف بالسيادة الصينية على تايوان.
“الصين الواحدة” وقانون علاقات أميركي.. جذور تاريخية للصراع بين بكين وتايوان
ازدادت التوترات بين الصين والولايات المتحدة مؤخرا بسبب الخلاف حول قضية تايوان، تلك الجزيرة التي تقع جنوب شرق الصين، والتي تدعي الأخيرة سيادتها عليها، فيما تدعمها واشنطن سياسيا وعسكريا.