في خضم التحقيق الذي تجريه وزارة الخارجية الإسرائيلية في تهم تخص بعثتها التي عينت العام الماضي لدى المملكة المغربية، تثار التساؤلات عما إذا كانت مزاعم المخالفات الجنسية والمالية يمكنها أن تؤثر على العلاقات الدبلوماسية التي تحسنت بشكل كبير عقب توقيع اتفاقيات إبراهيم.
والثلاثاء، استدعت وزارة الخارجية الإسرائيلية، مدير مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط، ديفيد غوفرين (58 عاما)، وذلك بعد يوم فقط من وصوله المغرب، حيث كان في إسرائيل الأسبوع الماضي بسبب تحقيقات الوزارة.
وبحسب صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، فإن قرار استدعاء غوفرين، اتخذه المدير العام لوزارة الخارجية، ألون أوشبيز، بعد تحقيق أولي أجراه وفد إسرائيلي رفيع وصل إلى المغرب، يوم الإثنين، لجمع تصريحات من كادر الوزارة.
وأشارت الصحيفة، إلى أن “أكثر التهم جدية” تتعلق بـ “مسؤول إسرائيلي رفيع” في البعثة، والتي تزعم أنه استغل عدة نساء محليات، “وهو أمر قد يؤدي إلى اضطراب دبلوماسي عميق مع المغرب. إضافة إلى تهم بالتحرش داخل البعثة ذاتها”.
كما ذكرت أن وزارة الخارجية الإسرائيلية تحقق في عدد من “المشاكل المالية والإدارية، من بينها اختفاء هدية قيمة للغاية أرسلها ملك المغرب (محمد السادس) بمناسبة يوم الاستقلال الإسرائيلي”.
وأضافت أن مثل هذه الهدايا عادة ما ما يتم تسجيلها ومنحها للحكومة “لكن هذا الغرض يبدو أنه اختفى دون تسجيله”.
وتشير “نيويورك تايمز” إلى أن هذه المزاعم “تهدد بأن تطغى على العلاقة الجديدة والحساسة بين إسرائيل والمغرب”، والتي توسطت فيها إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، في ديسمبر من عام 2020، كجزء من ذوبان الجليد الدبلوماسي الأوسع في ذلك العام بين إسرائيل وبعض الدول العربية.
وأعادت صفقات التطبيع تشكيل التحالفات والآفاق السياسية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ولا تزال العلاقات الثنائية لا تحظى بشعبية بين المغاربة، حيث قال أقل من الثلث إنهم يؤيدونها في استطلاع نشرته الشبكة البحثية المستقلة “الباروميتر العربي”، في يوليو الماضي.
واعتبر المحلل الجيوسياسي المغربي، الفقير المهدي، في حديثه مع موقع “الحرة” أنه يمكن أن تكون هناك توابع سلبية على العلاقات وتطورها، وربما إذا تأكد أن هذه البعثة تمارس أعمالا مخالفة للقانون المغربي في التراب الوطني سوف تقع تحت طائلة القانون”.
لكنه أكد أن “هذا الأمر حتى الآن يتعلق بتنظيم العمل القنصلي ومكتب الاتصال الإسرائيلي وليس الجانب المغربي، إلا إذا كان هناك تعد على القوانين المغربية”، مشيرا إلى أنه لم يصدر أي رد من الجانب المغربي حتى اللحظة.
وأوضح أن “الاتفاقيات الدولية المنظمة للعمل القنصلي تعتبر أن الأراضي التي تقع فيها البعثات الدبلوماسية تابعة للدولة المستضافة”.
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي الإسرائيلي، إيلي نيسان، بأنه إذا كانت المزاعم المتداولة في وسائل الإعلام منذ أيام حقيقية، فإنها ستكون “مدعاة للسخرية”.
وقال نيسان لموقع “الحرة” إن “هذه الأمور لا تزال قيد التحقيق، وديفيد غوفرين موجود حاليا في إسرائيل، ويتم التحقيق معه من قبل مدير عام وزارة الخارجية لمعرفة ما حدث وإن كان قد استغل منصبه فعلا كممثل إسرائيل في المغرب ليقوم بعلاقات جنسية مع نساء مغربيات من عدمه”.
وأضاف “إذا صحت الأخبار بأنه فعلا تصرف فعلا بشكل غير لائق، وبشكل خاص في دولة عربية، فأعتقد أن وزارة الخارجية ربما ستطلب منه أن يستقيل من وظيفته ومن وزارة الخارجية برمتها”.
ورغم أن وزارة الخارجية الإسرائيلية أعلنت استدعاء مدير بعثتها لدى الرباط لحين انتهاء التحقيقات في المزاعم، فإنها رفضت توضيح نطاق التحقيق.
وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن الخارجية الإسرائيلية رفضت توفير تفاصيل حول التحقيق، في حين رفض كل من غوفرين والحكومة المغربية طلبها للتعليق.
وأعربت حركة “خميسة“، وهي مجموعة تناضل من أجل النساء والمعارضين المغاربة، عن قلقها إزاء هذه المزاعم، وقالت إنها “منزعجة للغاية” من صمت الحكومة المغربية ودعت المسؤولين المغاربة إلى فتح تحقيق خاص بهم.
حركة خميسة تطالب السلطات المغربية بفتح تحقيق مستعجل حول شبوهات التحرش الجنسي الذي تعرضت له موظفات بمكتب الاتصال الاسرائيلي في الرباط.#khmissa pic.twitter.com/UkM96Ik7HW
— Khmissa (@khmissa5) September 6, 2022
يشير المهدي في حديثه مع موقع “الحرة” إلى أنه في حال ما إذا تحولت هذه الشبهات والمزاعم إلى شكايات لدى القضاء المغربي وجهات التحقيق، فبالتأكيد سوف يكون هناك إشكال دبلوماسي بين البلدين”.
لكنه قال إنه “من السابق لأوانه” الحديث عن أزمة دبلوماسية بين البلدين، “لأننا نسمع حتى هذه اللحظة أن هناك مزاعم وتحقيقات إسرائيلية داخلية، لكن لم نسمع عن أطراف مغربية التجأت للسلطات المغربية وخاصة القضاء لتقديم شكاوى”.
من جانبه، اعتبر نيسان أن الحديث حول إضرار التحقيق بالعلاقات الدبلوماسية بين الدوليتين مجرد “شائعات”.
وقال: “لا أعتقد أنه سيؤثر على العلاقات، لأن ما حدث يتعلق بشخص تصرف بشكل غير لائق، ورغم أنه ممثل إسرائيل، فهذا لا يعني أن الدولة تقف وراء هذا الشخص، والدليل أن وزارة الخارجية استدعته إلى إسرائيل”.
وأضاف “آمل أن تصرفات هذا الشخص، إن ثبتت أنها كانت غير لائقة، ألا يكون لها تأثير سلبي على العلاقات بين إسرائيل والمغرب والتي هي في في مرحلة التطور لمصلحة الشعبين”.
من جانبه قال المهدي إنه “إذا وصل الأمر إلى القضاء المغربي وثبت أنه كان هناك شيئا غير مقبول، فأعتقد أن الجانب المغربي حينها سوف يطالب الجانب الإسرائيلي بتقديم ردود أو توضيحات أو أجوبة، وربما موضع مساءلة من طرف القضاء المغربي، بل وتسليم الأشخاص المتورطين الذين ربما يكونون موضع مساءلة من أجل استجوابهم محليا”.
وحتى الآن، لا توجد مؤشرات على مثل هذه التداعيات من التوترات الحالية، ولا يزال من المتوقع أن يصل رئيس أركان الجيش المغربي إلى إسرائيل الأسبوع المقبل في زيارة رسمية، بحسب “نيويورك تايمز”.
ويعتبر غوفرين من المخضرمين في السلك الدبلوماسي الإسرائيلي، حيث عمل لمدة 33 عاما، وكان محوريا في التحول في العلاقات بين إسرائيل والمغرب، بعد أن تم تعيينه كمبعوث إسرائيلي بعد وقت قصير من إتمام صفقة التطبيع.
كان غوفرين سفيرا سابقا في مصر، ثم تم تعيينه مديرا لمكتب الاتصال الإسرائيلي لدى الرباط، في انتظار الترقية الرسمية له ليصبح سفيرا في المملكة في وقت لاحق.
وخلال فترة توليه المنصب، زار عدة وزراء إسرائيليين المغرب وبدأت الرحلات التجارية المباشرة بين البلدين، مما أدى إلى زيادة أعداد السياح الإسرائيليين إلى المغرب. وقعت وزارتا الدفاع المغربية والإسرائيلية اتفاقية عسكرية أولية جلبت سنوات من التعاون السري إلى العلن.
لكن العلاقة ظلت “مترنحة” وفقا لوصف “نيويورك تايمز”، حيث لم يفتح البلدان رسميا السفارات ويتبادلا السفراء.