فرضت قضايا الصحة النفسية نفسها على مائدة الدراما العربية حتى باتت وجبة أساسية تطرح مناقشات وشخصيات صنعت بشكل مثير، وكلما ارتفع منسوب الضغوط لعوامل مجتمعية متعددة زادت نسبة الأعمال الفنية المعالجة لتلك الأزمات بهدف التعريف بالأمراض النفسية واستكشاف آثارها.
كثير من أعمال الدراما النفسية شقت طريقها إلى المشاهد العربي، على غرار مسلسل “الحجرة” الذي يتكون من 13 حلقة ويصنف كدراما نفسية، وتدور أحداثه حول طبيب الأسنان “مراد” الذي يعاني مرض تعدد الشخصيات بعد تعرضه لضغوط بالماضي قلبت حياته، بدءاً من فقد ابنه الوحيد في حادثة أليمة، فيقرر بمساعدة شخصيته المزدوجة “واهم” الانتقام على طريقته ليحقق العدل من منظوره الخاص.
مسلسل “الحجرة” السوري من بطولة الفنانين محمد الأحمد ووسام فارس وعمار شلق ونور علي وريم خوري وهادي بوعياش، وكتابة زهير الملا، وإخراج فادي وفائي.
بطل العمل الممثل السوري محمد الأحمد تحدث عن دوره بقوله “أجسد شخصية الدكتور مراد، وهو مريض نفسي يتعرض لصدمة ثم يقابل شخصاً ينفذ له مخططات إجرامية ينتقم من خلالها من أشخاص تسببوا له في الأذى، ثم يتضح أنه نفسه هو الشخصية الشريرة”.
الأحمد قال إن المسلسل يندرج تحت قائمة الدراما النفسية التشويقية، لكنه لا يتعرض للمرض بشكل مباشر حتى لا يذهب في اتجاه نفسي طبي بحت، مضيفاً “نوعية الدراما التشويقية النفسية مثيرة جداً للمشاهد ومفيدة في الوقت نفسه لأنها تناقش قضايا حساسة ودفينة لا نكتشفها بسهولة ولا نراها بوضوح على رغم تأثيرها الكبير في المجتمع”.
وتابع “الممثل يجد في شخصية المريض النفسي مادة مغرية ومثيرة للاهتمام، ويحب تقديم هذا النوع من الأعمال بطريقة مختلفة لأنه يكتشف إمكاناته ويستمتع في الوقت نفسه مع الأخذ في الاعتبار أن هذا النوع صعب جداً وأحياناً تكون نتيجته غير مرضية أو متوقعة من حيث استقبال الجمهور”.
واختتم “مسلسل الحجرة عمل فني عميق، ويتناول المرض النفسي بشكل جديد لا يشبه أي عمل آخر ينتمي لهذه النوعية، والجديد أن هناك عناصر مفاجأة وتنفيذ تم بشكل مختلف عبر تقنيات حرفية مبهرة تستخدم في الخارج”.
المازوخية والرهاب
المسلسل المصري “الليلة واللي فيها” لزينة ومحمد شاهين تناول أيضاً بعض الأمراض النفسية، وجسدت فيه الفنانة المصرية شخصية زوجة تعيش في معاناة بسبب ميول “جنسية مازوخية” لديها تجعلها تشعر بالتعاسة في حياتها الزوجية، وكشفت الأحداث عن أن هذه الميول بسبب عقدة في الطفولة.
وألقى المسلسل المصري “مين قال”، الذي عرض في 15 حلقة من بطولة جمال سليمان ونادين وأحمد داش، الضوء على عدد من الاضطرابات النفسية مثل الرهاب الاجتماعي ونوبات الهلع والاندفاع العاطفي والتلعثم وقلة الثقة بالنفس والصورة المعتلة المشوهة.
وقدمت منى زكي في مسلسل “لعبة نيوتن” دوراً يعكس أمراضاً واختلالات نفسية مثل فوبيا الأماكن المغلقة وفوبيا الكلاب، واضطراب القلق الذي تنتج منه أحياناً نوبات هلع في ظل الخوف المستمر من المجهول والمستقبل، وهو ما يجعلها بالتبعية شخصية ضعيفة تميل إلى الاعتمادية.
نوبات الهلع
وجسدت الفنانة المصرية يسرا في مسلسل “فوق مستوى الشبهات” دور أستاذة جامعية تعاني مرض الفصام، وتسبب ذلك في جعلها امرأة رائعة في الظاهر بينما تخفي وجهاً آخر شديد القبح والوحشية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي مسلسل “أحلام سعيدة” تم التطرق إلى بعض الأمراض النفسية مثل الهلاوس السمعية والبصرية التي أصيبت بها شخصية يسرا، واضطرابات النوم ونوبات الهلع العديدة التي هاجمت شخصية غادة عادل، وطرح المسلسل فكرة العلاج الجماعي كإجراء فعال في الشفاء.
وجسدت جميلة عوض في مسلسل “حرب أهلية” دور فتاة ثرية مدللة، ولكنها مضطربة نفسياً بسبب شعورها بالرفض بعد أن تخلت عنها أمها.
أما مسلسل “خلي بالك من زيزي” فتعرض لعدد من الاضطرابات النفسية مثل الخوف من الطيران، و”المونوفوبيا” أي الخوف من الوحدة أو الانفصال عن المقربين، واقتران ذلك الشعور ببعض الآلام الجسمانية، وناقش العمل مرض (ADHD) أي نقص الانتباه مع فرط الحركة، الذي يصيب كثيراً من الأطفال وقد يستمر لمرحلة البلوغ، وأبرز أعراضه السلوك الاندفاعي وضعف الأداء الدراسي وصعوبة التركيز، ونقص الثقة بالنفس.
حضور مصري
تعرض المسلسل المصري “في كل أسبوع يوم جمعة” إلى عدد من الأمراض النفسية، وجسد آسر ياسين شخصية شاب يعاني مرض التوحد، أما منة شلبي فقامت بدور فتاة تعاني مشكلات نفسية دفعتها هي وآسر إلى ارتكاب عدد من جرائم القتل.
وفي مسلسل “سقوط حر” لعبت الفنانة المصرية نيللي كريم شخصية مريضة نفسية تدخل إلى مستشفى الأمراض العقلية، وتقابل هناك عدداً كبيراً من الشخصيات والمرضى الذين يحملون قصصاً وحكايات وأمراض مختلفة.
وتناول مسلسل “حالة عشق” الذي لعبت بطولته مي عز الدين مرض الفصام، وجسدت فيه شخصية فتاة تعاني انفصاماً في الشخصية.
وقدمت غادة عبدالرازق عدداً من الأمراض النفسية في بعض مسلسلاتها مثل الفصام في مسلسل “حكاية حياة”، وبمسلسل “الخانكة” قدمت دور أم تصاب بأمراض نفسية بسبب كوابيس تطاردها حول وفاة ابنها الذي قتلته بيدها وفقدت الذاكرة بسبب شدة الألم النفسي الذي تعرضت له بعد أن قتلته.
وقدم الفنان السوري باسل خياط دور مجرم محترف ومريض نفسي في مسلسل “30 يوم”، وكذلك في مسلسل “الرحلة” الذي تناول حكاية مجموعة أشخاص التقوا على متن رحلة طائرة تحمل الرقم (710)، وجمعت الظروف بينهم في كونهم مرضى نفسيين، وكل منهم يكتم بداخله سراً ما ويجيد إخفاءه، ولكن تتلاقى حكاياتهم في مصير واحد.
الشخصية الإجرامية
وينتظر قريباً عرض المسلسل المصري “السفاح” لأحمد فهمي وركين سعد وصلاح عبدالله وإخراج هادي الباجوري، وكشف مؤلف المسلسل محمد صلاح العزب عن أنه مأخوذ عن قصة حقيقية وهي سفاح الجيزة، وهو قاتل لكنه بالأساس مريض نفسي يعاني خللاً كبيراً جعله يؤذي نفسه ويقتل الآخرين حتى أقرب الناس له من دون أسباب معروفة.
وتابع العزب “تناولت شخصية السفاح من الأبعاد النفسية ليفهم المجتمع لماذا يتحول شخص عادي إلى قاتل”، منبهاً إلى ضرورة عدم الوثوق في أي شخص فقد يكون إنساناً يعاني مرضاً نفسياً لا يظهر ويقتل بلا مبرر.
ولفت إلى أنه “للأسف الأمراض النفسية والاضطرابات غير الظاهرة تدمر المجتمع وقد تكون وراء أبشع جرائم القتل، لذلك من الضروري أن نطرح تلك القضايا عبر الفن والدراما لأن كثيرين يهملون خطورة المرض النفسي في المجتمع، ولا يرون أنه من أهم مشكلات الناس والأخطر أنها مسكوت عنها وغير معلنة”.
العلاج بالدراما
وقال الاختصاصي المصري في الطب النفسي نبيل القط، “إن الدراما قد تشارك بالفعل في حل بعض المشكلات النفسية، والتعرض لأمراض عبر الشاشة يصعب شرحها نظرياً، وقد تسهم الدراما في الوصول إلى فهم صحيح لبعض العوارض والأمراض، وهذا قد يكون علاجاً بالدراما”.
ومن الضروري وفق القط الاهتمام بالأعمال الدرامية التي تعالج القضايا النفسية، وعند كتابة الشخصيات والأحداث يجب الرجوع إلى أطباء متخصصين حتى يخرج العمل مفيداً للجميع ويستطيع المريض وأسرته فهم التعامل الصحي مع الحالة.
وبالفعل ساعدت الدراما في ما مضى في حل بعض المشكلات النفسية وشاهد قطاع كبير من الناس أعمالاً درامية استفادوا منها وأسهمت في علاجهم، ومنها مسلسل “تحت السيطرة” الذي قدمه المخرج تامر محسن وبطولة نيللي كريم ومحمد فراج، وأسهم العمل في فهم الإدمان وتفاصيله وتوابعه وكثير من المدمنين تجاوزوا أزمتهم وعولجوا بعد المسلسل، إضافة إلى أن عائلاتهم فهموا كيفية التعامل مع المدمن، بحسب ما ذكره الاختصاصي المصري في الطب النفسي.
وأضاف أن عدداً من المسلسلات نجح في توصيل فكرة واضحة عن بعض الأمراض الغامضة، مما جعل الناس تنتبه مثل مسلسل “خلي بالك من زيزي” الذي نبه إلى مرض فرط الحركة عند الأطفال واستفاد منه كثير من الأسر في علاج أبنائهم.
وطالب بأهمية علاج المريض النفسي في البداية من طريق اللجوء إلى طبيب متخصص، وكذلك ضرورة الخضوع لجلسات يتحدث فيها المريض حتى يفهم الطبيب طبيعة المرض بشكل دقيق، خصوصاً إذا كان المريض غير معترف بمرضه، وللأسف كثير من المرضى النفسيين لا يدركون حقيقة مرضهم ولا يفهمون الخطورة إلا بعد التدهور والانتكاسة.
اتجاه إجباري
الناقدة المصرية مريم عاطف ذكرت بدورها أن هناك اتجاهاً إجبارياً لتناول المشكلات النفسية في الفترة الأخيرة عبر شاشة الدراما والسينما، وكان هذا أمراً معمولاً به من قبل لكن مع تزايد الأمراض النفسية والضغوط زادت أهميتها وإلقاء الضوء عليها بشكل أكبر أخيراً عبر الفن.
أضافت “ربما طبيعة المريض النفسي وعائلته تستجيب بشكل أكبر لفكرة عرض المرض عبر وسيط مثل الدراما، وقد يرفضون الاستجابة في حال التنبيه المباشر عبر أطباء ومتخصصين”.
وأوضحت أن “طبيعة المرض النفسي والنظرة له لدى الناس للأسف تأخذ قالباً غريباً جداً، إذ يعتبرونه عاراً أو سبة في جبين المريض النفسي، لهذا كانت الدراما أحد الحلول المهمة جداً في طرح الأمراض النفسية من دون حرج أو مساس بالمريض”، مختتمة حديثها بأن كثيراً من المسلسلات الدرامية أسهمت في حل مشكلات نفسية عاناها الناس في صمت، وبعض الأعمال أيضاً نبهت لأمراض غير معروفة مما أحدث حالاً من الوعي المميز جداً.
(function(d, s, id) {
var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0];
if (d.getElementById(id)) return;
js = d.createElement(s); js.id = id;
js.src = “https://connect.facebook.net/en_US/sdk.js#xfbml=1&version=v3.0”;
fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs);
}(document, ‘script’, ‘facebook-jssdk’));