بدأ التونسيون، صباح الاثنين، عملية التصويت على استفتاء حول مشروع دستور جديد يمنح صلاحيات واسعة للرئيس قيس سعيّد وقد يعيد البلاد إلى نظام دكتاتوري شبيه بذلك الذي كان قائما قبل عام 2011، وفقا لفرانس برس.
وفتح أكثر من 11 ألف مركز اقتراع أبوابه أمام المواطنين منذ الساعة الخامسة بتوقيت غرينتش والساعة 21:00، بحسب هيئة الانتخابات المكلفة تنظيم الاستفتاء الذي من شأنه وفق سعيّد، وضع حد للأزمة السياسية الناجمة عن سيطرته على كافة السلطات في البلاد قبل عام.
وكشفت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، الأحد، أن نسبة المشاركة العامة للتونسيين المقيمين بالخارج في الاستفتاء على الدستور بلغت 4.65 في المئة، عند انتهاء عملية التصويت في يومها الثاني.
وتوزعت نسب المشاركة في التصويت كالتالي: “(فرنسا 1) 4.8%، (فرنسا 2) 4.2%، ألمانيا 4.7%، إيطاليا 3.4%، الأميركيتان وبقية الدول الأوروبية 4.1%، العالم العربي وبقية دول العالم 6.7 5%”.
وقال رئيس الهيئة، فاروق بوعسكر إن هناك ناخبة في مدينة “هامبورغ” الألمانية حاولت الاعتداء على أحد أعضاء مراكز الاقتراع.
وأضاف أن الأمن الألماني تدخل وتم إيقاف هذه الناخبة.
وحذر من أي “عمليات تهدف لإرباك الاستفتاء أو التشويش على هذا الحدث”، مشيرا إلى أن هناك “رائحة سياسية وراء الأعمال المخالفة للقانون، والتي هدفها عرقلة الناخب عن المشاركة والتصويت”.
وكانت الهيئة قد أعلنت في وقت سابق أن التصويت في الاستفتاء بالخارج “يجرى أيام السبت والأحد والاثنين، 23 و24 و25 يوليو، من الساعة 8:00 صباحا إلى الساعة 18:00 مساء بتوقيت البلد المضيف”.
وبدأ المغتربون البالغ عددهم 356,291 الإدلاء بأصواتهم السبت ولديهم حتى الاثنين للاقتراع.
وبحسب هيئة الانتخابات، تسجّل 9,296,064 ناخبا بشكل للمشاركة في الاستفتاء الذي ترفضه معظم الأحزاب السياسية وينتقده الحقوقيون.
ويوم الاستفتاء (الاثنين) سيكون يوم عطلة يلي عطلة نهاية الأسبوع مباشرة.
نسبة المشاركة هي الرهان الأبرز في هذا الاستفتاء الذي لا يتطلب حدا أدنى من المشاركة. ويتوقع أن يحظى الدستور الجديد بقبول شعبي، بينما دعت المعارضة بجزئها الأكبر إلى مقاطعة الاستفتاء.
ويثير مشروع الدستور الجديد مخاوف لدى خبراء بتأسيسه لنظام رئاسي ويقطع مع النظام البرلماني الذي جاء به دستور ما بعد ثورة 2011 في تونس التي اعتبرت المثال الناجح في المنطقة لما أطلقت عليه تسمية “الربيع العربي”.
مرحلة الاستفتاء “هي الثانية ضمن مخطط تم إقراره” من قبل الرئيس بعد أن قام “بتعليق ثم حل المؤسسات الجمهورية بما فيها البرلمان”، بالإضافة إلى تغيير قانون منظم للمجلس الأعلى للقضاء وهيئة الانتخابات.
وينص الدستور الجديد على أن يتولى الرئيس السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة يعينه ويمكن أن يقيله إن شاء، بدون أن يكون للبرلمان دور في ذلك.
كما أن للرئيس، القائد الأعلى للقوات المسلحة، صلاحيات ضبط السياسة العامة للدولة ويحدد اختياراتها الأساسية، ولمشاريعه القانونية “أولوية النظر” من قبل نواب البرلمان.
فضلا عن ذلك، انقسمت الوظيفة التشريعية بين “مجلس نواب الشعب” الذي ينتخب نوابه باقتراع مباشر لمدة خمس سنوات و”المجلس الوطني للجهات” ويضم ممثلين منتخبين عن كل منطقة على أن يصدر لاحقا قانون يحدد مهامه.
وتندد المعارضة والمنظمات غير الحكومية بالنص الجديد معتبرة أنه “مفصل على قياس” سعيّد ويحصر السلطات بأيدي الرئيس الذي لا يمكن إقالته بموجب الدستور الجديد، خلافا لما جاء في دستور عام 2014. في المقابل يمنح للرئيس الحق في حل البرلمان والمجلس الوطني للجهات.
وتنصل أستاذ القانون الدستوري، الصادق بلعيد، الذي كلفه سعيّد صياغة الدستور الجديد، من النص النهائي الذي نشره الرئيس، معتبرا أنه “يفتح المجال أمام نظام دكتاتوري”.
“تصحيح المسار”
ودعا حزب النهضة ذو المرجعية الاسلامية وأبرز المعارضين للرئيس إلى مقاطعة الاستفتاء واعتباره “مسارا غير قانوني”، بينما ترك الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر النقابات العمالية، حرية القرار لأنصاره.
ويمارس الرئيس التونسي منذ عام الحكم بشكل منفرد أكثر فأكثر ويقود البلاد إلى “جمهورية جديدة” تعتبرها المعارضة “انقلابا”.
ويعتبر سعيّد (64 عاما) مشروع الدستور الجديد امتدادا لعملية “تصحيح المسار”. وقد بدأها بقرارات لم تكن متوقعة في 25 يونيو 2021 باحتكار السلطات في البلاد وإقالة رئيس الحكومة السابق وتجميد أعمال البرلمان ليحله بالكامل لاحقا. ومن المقرر أن تنظم انتخابات نيابية في ديسمبر المقبل.
وغيرت مؤسسات دولية على غرار “فريديم هاوس” و”ذي إيكونوميست” تصنيفها لتونس مؤخرا من دولة “حرة” إلى دولة “حرة جزئيا”، حسب الباحث يوسف الشريف الذي يؤكد أن “الناس بإمكانهم التعبير بكل حرية والذهاب للانتخاب ورفض (الاستفتاء) من دون أن يتم سجنهم، وهذا يبين أننا لسنا أمام الصورة التقليدية للدكتاتورية”.
ويضيف أن السؤال المطروح في هذا السياق هو ماذا بعد قيس سعيّد مع هذا الدستور الذي “يمكن أن ينتج نظاما سلطويا سيكون شبيها بما كانت عليه الحال قبل عام 2011”.
وأمام الرئيس وضع اقتصادي واجتماعي متأزم في البلاد ومهمة شاقة لإيجاد الحلول لذلك، خصوصا بعد ارتفاع نسبة البطالة والتضخم وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين التي زادت الأزمة الروسية الأوكرانية من تراجعها.
والثلاثاء، أعلن صندوق النقد الدولي أن بعثة من خبرائه اختتمت زيارة إلى تونس في إطار مفاوضات تجريها المؤسسة المالية الدولية مع البلد المأزوم لمنحه برنامج مساعدات، مشيرا إلى أن المحادثات بين الجانبين حققت “تقدما جيدا”.
وتتمحور المفاوضات بين تونس وصندوق النقد حول برنامج الإصلاحات الذي تقترحه الحكومة برئاسة نجلاء بودن. ويشترط الصندوق أن يترافق القرض مع تنفيذ إصلاحات جذرية.
ويقدر خبراء أن يبلغ حجم القرض نحو ملياري دولار.
ويرى هؤلاء أن الإصلاحات التي ستقوم بها تونس ستثقل كاهل المواطنين أكثر فأكثر خصوصا في ما يتعلق بمراجعة سياسة دعم المواد الأساسية.