التخطي إلى المحتوى

بنان هياجنة

عمان- بجهد وهمة عاليين تحاول والدة الطفلة ملك تذليل الآلام “الجسدية والنفسية” التي تشعر بها الصغيرة، والتي تعاني من إعاقة حركية وضمور في النمو.
تتأثر ملك (5 سنوات) في كل مرة ترى أقرانها يتحركون ويلعبون بكل حرية، وتحاول والدتها مساندتها والتخفيف عنها بكلمات وألعاب بسيطة، لعلها تحسن من حالتها النفسية.
ضغط كبير
ملك وغيرها من الأطفال ذوي الإعاقة، لا يجدون الاهتمام الكبير بموضوع الصحة النفسية، والذي يعتبر جزءا كبيرا من العلاج.
وتبدي والدة ملك استغرابها من أن جميع المستشفيات التي عالجت ابنتها فيها لا تعطي هذا المجال أهمية كبيرة، فعندما كانت تلجأ للأطباء النفسيين، كان الدواء هو الحل الوحيد.
ولا شك أن الصحة النفسية ركيزة مهمة في حياة الفرد، وتعرف بأنها: قدرة الإنسان على الشعور بالسعادة وتكوين علاقات صادقة مع الآخرين، والعودة إلى طبيعته بعد التعرض لأي أزمة أو ضغط نفسي.
والصحة النفسية لا تعني خلو الفرد من الأمراض بل هي التوافق الاجتماعي والذاتي والشعور بالرضا والسعادة والحيوية والاستقرار.
بدوره يقول الناشط في حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة أنس ضمرة: “إن المستشفيات الحكومية التي تهتم بمواضيع الصحة النفسية لذوي الإعاقة تعاني من ضغط كبير، وأن ذلك يؤدي إلى أن يراجع العديد من الأشخاص الطبيب نفسه”.
ويتابع أن ذلك يولد الضغط، ويكثر عدد الأخطاء ويضعف الأداء وتقديم الخدمات، مضيفا أن هذا الموضوع ليس من أولويات الحكومة ولا تعتبر الأخيرة الموضوع ذا أهمية.
ويبين ضمرة أن من ضمن الحلول رفع الوعي بقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة، وأن الاعتقاد بأن ذوي الإعاقة “أقلية” وغياب تقديم الخدمات لهم”، هو مفهوم خاطئ، إذ إنهم وبحسب ضمرة، يشكلون نسبة 15 % من المجتمع، وهي نسبة كبيرة.
ويشدد ضمرة على أهمية تقديم خدمات الصحة النفسية لذوي الإعاقة، وأن تلك الخدمات ستساهم في تحسين حالتهم النفسية وفق ظروف حياتهم، والظروف المعيقة لهم، وبالتالي، والحديث لضمرة، يصبحون أشخاصا مؤهلين وفاعلين في المجتمع.
وحول المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، أوضح ضمرة، أن دور المجلس تشريعي ورقابي، وأنهم يقومون بدورهم بالشكل الصحيح.
معاناة
“واجهت الحياة بجميع مصاعبها وتحدياتها كنت أتمنى أن أرى الدعم النفسي من قبل الأطباء أو المجتمع”. هكذا عبر احمد المصري من ذوي الإعاقة البصرية والذي يبلغ من العمر 33 عاما عن معاناته.
ويضيف المصري أن جميع الجهات المعنية كوزارة الصحة والمجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة مقصرة جدا بموضوع الصحة النفسية، وأنه لا يوجد اهتمام كبير بهذا الجانب، بالرغم أن الدعم النفسي هو الذي يهيئ ذوي الإعاقة للانخراط بالمجتمع وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، وأن له دورا كبيرا في العلاج خصوصا للإعاقات المؤقتة.
ويؤكد أهمية تنظيم مؤتمرات تعنى بالصحة النفسية لذوي الإعاقة ودعمهم نفسيا وكيفية تعاملهم مع المجتمع والمواقف الصعبة التي يمرون بها من تنمر وإساءة.
“ذوي الإعاقة لديهم حالة نفسية منذ بداية حياتهم”، وفق الاستشاري النفسي الدكتور موسى مطارنة، والذي يقول: “إنهم في البداية يشعرون بالظلم المجتمعي وعدم المساواة والتنمر والإساءة، إضافة إلى عدم إعطائهم الاهتمام، وأن هذا الأمر يؤدي لهز ثقتهم بأنفسهم ويزيد الموضوع صعوبة وتعقيدا”.
اهتمام معدوم
ويتابع مطارنة، أن ذوي الإعاقة لديهم خوف من المستقبل، وبالتحديد ذوي الإعاقات الحركية والسمعية والبصرية.
إعطاء ذوي الإعاقة الاهتمام اللازم وانخراطهم ودمجهم بالمجتمع مهم، بحسب مطارنة، إذ يصفه بأنه يحد من انعدام ثقتهم بأنفسهم والأعباء النفسية والخوف الكامن داخلهم.
ويضيف، بوجود قدر أفضل من الصحة النفسية عند ذوي الإعاقة، يزداد تقدمهم في المجتمع ويصبح كلا منهم منتجا بعمل ما.
“وبالتالي يتم تحسين نفسيتهم، فالمعروف أن ذوي الإعاقة يكونون أقل استقرارًا وأكثر غضبًا وعدوانية في بعض الأوقات، لذلك لابد من توفير البيئة النفسية الصحية والسوية لهم دون افتعالها” وفق مطارنة.
ويشير ضمرة إلى أن موضوع الصحة النفسية لا يلقى اهتماما كبيرا أو ما يستحق، وأنه في أدنى مستوياته ويكاد يكون معدوما.
ويؤكد أهمية معاملة هذه القضية مثل أي قضية أو موضوع آخر، “لأن الموضوع قد وصل درجة الإهمال”. ويشدد ضمرة على أن يكون هناك أولوية للعلاج النفسي، وأهمية الصحة النفسية تحديدا بعد جائحة “كورونا” بسبب ما تركته من آثار وضغوط على المجتمع وتحديدا لذوي الإعاقة.
ويتابع، على جميع مراكز الصحة النفسية العمل على جودة الخدمات المقدمة، وأن يكون هناك رقابة حقيقية، “ولكن هذا غائب”.
تقصير في توجيه الدعم
ويرى ضمرة أن هناك العديد من الآثار الملموسة على ذوي الإعاقة عندما يتم دعمهم نفسيا، وأن الخدمات ذات الجودة العالية ومتابعة التأهيل بشكل مناسب وسليم، تنعكس جميعها لتجعلهم قابلين وقادرين على الانخراط في المجتمع، والاندماج في التعليم وسوق العمل.
وعزا وجود أشخاص ذوي إعاقة في منازلهم للإهمال الحكومي، وعدم وجود خدمات من هذا النوع متوفرة بشكل واسع.
ويعتقد ضمرة أن الحكومات لا ترى أن ذوي الإعاقة بإمكانهم أن يكونوا متمكنين في المجتمع ومنتجين.
غير أنه يؤكد أن الشخص ذوي الإعاقة، وعندما يتلقى الدعم والتأهيل الصحيح والمناسب سيتحول مباشرة إلى قصة نجاح ومثال في المجتمع.
مراكز الصحة النفسية في القطاع الخاص مكلفة
“منذ صغره ونحن نعلمه كيف يواجه ويندمج بالمجتمع، وكان تنمر أهالي الحي عليه يربكه ويهز ثقته بنفسه”. هكذا وصفت رؤى قوصيني، حالة شقيقها حمزة البالغ من العمر 18 عاما، والمصاب بمتلازمة داون.
وتقول قوصيني: “إن جميع أفراد أسرتها لم يصمتوا عن أي حالة تنمر كانت تحدث لشقيقها، وأنهم كانوا يشرحون للأشخاص مفهوم ذوي الإعاقة لديهم ليتم تقبله ومعاملته مثل أي شخص طبيعي”.
قوصيني تحدثت عن دور الأهل أيضا، الذي تراه مهما بأن يعززوا ثقة أبنائهم بأنفسهم ويتقبلونهم لكي يتقبلهم المجتمع ويندمجون فيه.
وتضيف أن أغلب مراكز الصحة النفسية التابعة لوزاة الصحة لا يوجد بها متابعة حثيثة لذوي الإعاقة، وأن عدم المتابعة يقلل فرصهم بأخذ مساحة إبداعية واندماجهم بالمجتمع مما يزرع بهم الخوف والتوتر والضغط.
وتوضح قوصيني أن مراكز الصحة النفسية في القطاع الخاص مكلفة بشكل كبير، وأن بعض العائلات لا تملك القدرة على معالجة أبنائها فيها، مبينةً أن بعض ذوي الإعاقة يحتاجون إلى علاج دوري ومكثف.
تحديات مختلفة
ويشدد العضو المؤسس لحملة “ابني” مصطفى دنو، على أن الاهتمام بالصحة النفسية شيء أساسي، وأنه يجب أن يكون هناك خطة فردية وتوعوية للأشخاص ذوي الإعاقة، وأنهم يحتاجون وبكل مرحلة عمرية إلى خطط توعوية خاصة ومختلفة.
ومن الجدير بالذكر أن حملة “ابني” هي حراك اجتماعي مستقل تطالب بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في التأهيل المجاني بحسب القانون الأردني.
ويضيف دنو أن هذه المراحل العمرية لها تحديات مختلفة وعناية ووعي نفسي خاص، وذلك، ليستطيع ذوي الإعاقة إكمال الحياة بكل شغف ووعي واستقرار نفسي.
ويتابع، ليصبح الأردن من الدول التي تعالج الصحة النفسية لذوي الإعاقة، يجب أن يكون العمل على مستوى المجتمع من قبل المختصين لكسر الصورة النمطية عن ذوي الإعاقة.
ولفت دنو إلى أهمية أن يبادر الأشخاص ذوي الإعاقة بنشر قصص نجاحهم، لكي يستفيد الغير منهم ويشعرون بالدعم وتتعزز ثقتهم بأنفسهم.
ويوضح الاستشاري مطارنة، أن الإنسان في طبيعة الحال يحتاج للشعور بالأمان في البيئة التي يعيش بها، وبين الأشخاص المحيطين به، وأن الإنسان لديه توقعات مسبقة بذلك.
ويتابع أن أي شيء يخالف توقعات الإنسان – آنفة الذكر- يسبب له الخذلان والاكتئاب ومن ثم انعدام الثقة.
ويشدد مطارنة على أهمية معاملة ذوي الإعاقة معاملة صحيحة ومناسبة، وذلك على أساس أنهم أشخاص طبيعيون.
نظرة قانونية
وينص قانون رقم (20) لسنة 2017 للأشخاص ذوي الإعاقة بالمادة 29 على:
و- توفير خدمات التأهيل الجسدي والنفسي والاجتماعي في مناطق قريبة من أماكن إقامة الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم، وتيسير وصولهم إليها.
ز- توفير برامج التدخل المبكر وترخيصها وفقاً لتعليمات يصدرها وزير التنمية الاجتماعية لهذه الغاية.
ط- توفير خدمات الدعم النفسي الاجتماعي والصحي، بما في ذلك إعادة التأهيل والعلاج بأنواعه لضحايا العنف والاستغلال من الأشخاص ذوي الإعاقة.
المادة 19- العيش المستقل والإندماج في المجتمع.
وتقر الدول الأطراف في الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بحق جميع الأشخاص ذوي الإعاقة، في المساواة بغيرهم والعيش في المجتمع، بخيارات مساوية لخيارات الآخرين، وتتخذ تدابير فعالة ومناسبة لتيسير تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة الكامل بحقهم وإندماجهم ومشاركتهم بصورة كاملة في المجتمع. ويشمل ذلك كفالة ما يأتي:
(أ) إتاحة الفرصة للأشخاص ذوي الإعاقة في أن يختاروا مكان إقامتهم ومحل سكناهم والأشخاص الذين يعيشون معهم على قدم المساواة مع الآخرين وعدم إجبارهم على العيش في إطار ترتيب معيشي خاص.
(ب) إمكانية حصول الأشخاص ذوي الإعاقة على طائفة من خدمات المؤازرة في المنـزل وفي محل الإقامة وغيرها من الخدمات المجتمعية، بما في ذلك المساعدة الشخصية الضرورية لتيسير عيشهم وإندماجهم في المجتمع، ووقايتهم من الانعزال أو الانفصال عنه.
(ج) استفادة الأشخاص ذوي الإعاقة، على قدم المساواة مع الآخرين، من الخدمات والمرافق المجتمعية المتاحة لعامة الناس، وضمان استجابة هذه الخدمات لاحتياجاتهم.
وتشير ضمنيًا المواد السابقة من الاتفاقية إلى موضوع الصحة النفسية وأهميتها لدى ذوي الإعاقة وكيف يتم دمجهم في المجتمع وتأهيلهم، متطرقا له وحتى لو كان بشكل غير مباشر.
المجلس يرد
وتؤكد مديرة مديرية الاعتماد في المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة هالة حمد، أن المجلس أولى الصحة النفسية الاهتمام الكبير وتم إدراجها ضمن تعريف الإعاقة في قانون رقم (20) لسنة 2017 لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
وتتابع أنه تم الإدراج ضمن المادة 3 من البند أ في القانون والتي تنص على/ أ‌- لغايات تطبيق أحكام هذا القانون يعد شخصاً ذا إعاقة كل شخص لديه قصور طويل الأمد في الوظائف الجسدية أو الحسية أو الذهنية أو النفسية أو العصبية، يحول نتيجة تداخله مع العوائق المادية والحواجز السلوكية دون قيام الشخص بأحد نشاطات الحياة الرئيسية، أو ممارسة أحد الحقوق، أو إحدى الحريات الأساسية باستقلال.
وتضيف حمد أن المجلس يعمل على إدراج الصحة النفسية في كافة الاستراتيجيات والبرامج والخطط، مبينةً أهمية تعزيز حقوقهم في كافة المجالات (التعليمية والعمل والسياحة).
وأوضحت أن أكبر التحديات التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة تقبلهم بالمجتمع وخاصة بالعمل، إضافة إلى ارتفاع كلف العلاج وعدم توفره في بعض الأحيان.

Scan the code