التخطي إلى المحتوى

تعرض مستودع للذخائر في إقليم القرم الأوكراني الذي ضمته روسيا عام 2014، إلى أضرار جسيمة وفقا لما نقلته، “واشنطن بوست” عن مصادر، في أحدث مستجدات طرأت بالإقليم الذي ظل محل نزاع وجدل دولي خلال السنوات الماضية. 

ونقلت الصحيفة الأميركية عن مسؤول أوكراني، تحدث بشرط عدم كشف هويته لأنه لا يملك التصريح للحديث، أن الانفجارات نفذتها القوات الخاصة الأوكرانية التي تعمل خلف خطوط المواجهة الرئيسية. 

ويعتقد أن هذه القوات هي نفسها المسؤولة عن الانفجارات التي تسببت بأضرار كبيرة في قاعدة ساكي الجوية الروسية في القرم أيضا، الأسبوع الماضي، في خطوة اعتبرت تحولا في الاستراتيجية الأوكرانية. 

صور الأقمار الصناعية تكشف أضرار الانفجارات في قاعدة جوية روسية

أظهرت صور للأقمار الصناعية أن العديد من الطائرات الحربية الروسية دمرت بعد سلسلة من الانفجارات ضربت قاعدة جوية روسية في جنوب غرب شبه جزيرة القرم في وقت سابق من هذا الأسبوع، وفق ما نقل موقع “أكسيوس”.

وذكرت وسائل إعلام روسية، الثلاثاء، أن السلطات التي عينتها روسيا في إقليم القرم تحقق في احتمالية وقوع هجوم ثان في مستودع أسلحة آخر. 

وذكرت السلطات في الإقليم أن حريقا اشتعل في مستودع قرب بلدة دزانكوي شمالي الإقليم، ما تسبب بانفجار الذخائر داخله. 

صورة تظهر الانفجارات في المستودع يوم الثلاثاء

ونقلت واشنطن بوست فيديوهات من وسائل التواصل الاجتماعي، لم تتمكن من التحقق من صحتها بشكل مستقل، أظهرت أعمدة الدخان الكثيف تداخلت مع انفجارات سريعة. 

وقالت وزارة الدفاع الروسية إن الانفجارات القوية ألحقت أضرارا بالمباني القريبة وخطوط الكهرباء ومسارات القطارات ودفعت إلى إجلاء آلاف السكان، مضيفة أنه لم يصب أحد بجروح خطيرة، في حين أكد سيرغي أكسيونوف، رئيس شبه جزيرة القرم المدعوم من موسكو، وقوع إصابتين جراء الانفجارات، وأعلن حالة الطوارئ في الإقليم. 

ولكن ما هي أهمية شبه جزيرة القرم؟ وما الذي قد يدعو إلى التركيز عليها بالذات في ضوء الانفجارات الأخيرة؟ 

لمحة تاريخية 

تشبه صحيفة “نيويورك تايمز” شبه الجزيرة بـ “الماسة” التي تتدلى من الساحل الجنوبي لأوكرانيا، متميزة بمناخها المعتدل وشواطئها الرملية وحقول القمح بالإضافة إلى مزارع التوت والدراق. 

إلا أن موقعها الاستراتيجي الحساس هو ما وضعها نصب عيون روسيا لغزو أوكرانيا. 

وترتبط شبه جزيرة القرم بجسر يخدم أسطول البحر الأسود التابع لموسكو ورابطا حيويا لسلاسل التوريد التي تدعم آلاف الجنود الروس، والذين يحتلون اليوم مساحات شاسعة من جنوبي أوكرانيا. 

وتقول الصحيفة إن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يعتبر القرم “أرضا مقدسة”، لأن كاثرين العظيمة أعلنتها جزءا من روسيا في عام 1783، وهو الجزء الذي مهد الطريق لروسيا كي تصبح قوة بحرية عظمى. 

وخلال الحكم السوفيتي، قام الزعيم، نيكيتا خروشوف، بمنح الإقليم إلى أوكرانيا في عام 1954، ولأن أوكرانيا كانت في ذاك الجين جزءا من الاتحاد السوفيتي لم يتغير الكثير على أرض الواقع. 

لكن انهيار الاتحاد السوفيتي بعد أربعة عقود غير المعادلة، وفقا للصحيفة، “لتفقد روسيا جوهرتها”، واتخذ بوتين من ذلك حجة لتبرير قراره بضم الإقليم إلى الحكم الروسي في عام 2014. 

الأهمية العسكرية 

في بداية الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا في فبراير الماضي، استولى جنود روس أتوا من القرم على مساحات شاسعة من إقليمي خيرسون وزاباروجيا، اللذين يعدان من أهم المناطق التي احتلتها روسيا جنوبي أوكرانيا، وفقا لنيويورك تايمز. 

وفي المقابل، تعد شبه جزيرة القرم أساس دعم لوجستي يمكّن القوات الروسية من الحفاظ على المناطق التي احتلتها، من بينها خطان لسكك الحديد تعتمد عليهما روسيا لنقل المعدات العسكرية الثقيلة. 

كما أن القرم كان مركزا لإطلاق الطلعات الجوية وكشف الواقع الأوكرانية، بالإضافة إلى أن العديد من الهجمات الصاروخية بعيدة المدى انطلقت من شبه الجزيرة. 

ويعد القرم موطنا لأسطول البحر الأسود الروسي، ما يساعد في هيمنة موسكو على البحر وحظر النقل البحري الذي شل اقتصاد أوكرانيا. 

تتميز شبه الجزيرة بشواطئها الرملية وطقسها المعتدل

تتميز شبه الجزيرة بشواطئها الرملية وطقسها المعتدل

“جنة” وسط الصقيع

بالنسبة لروسيا التي تقع خمس مساحتها فوق الدائرة القطبية الشمالية، يعد مناخ مدينة يالطا في شبه جزيرة القرم معتدلا. 

وكتب الأمير غريغوري بوتيمكين، جنرال وعشيق كاثرين العظيمة، عندما حثها على المطالبة بالأرض: “روسيا بحاجة إلى جنتها”.

وكان إقليم القرم وجهة للقياصرة الروس ورؤساء المكتب السياسي لقضاء أيام عطلهم، وقبل العقوبات الغربية التي أتت عقب ضم شبه الجزيرة إلى روسيا، كانت شبه الجزيرة مكانا يذهب إليه أثرياء أوروبا الشرقية للاسترخاء والاحتفال.

“الروابط” مع روسيا 

وكان بوتين قد ذكر في الخطاب الذي أعلن خلاله ضم القرم إلى روسيا أن الإقليم “كان دوما جزءا أساسيا من روسيا، في أفئدتنا وأفكارنا”. 

لكن “نيويورك تايمز” تشير إلى أنه اتبع نهجا انتقائيا في سرد التاريخ، فخلال القرون الماضية، طالب الإغريقيون والرومان والقوط والهون والمغول بالقرم. 

كما أن تتار القرم يعتبرون من أبرز الفئات التي تعرضت للاضطهاد الروسي على مدى العقود الماضية، وهم مسلمون أتوا من أوراسيا في القرن الثالث عشر. 

ومهد الزعيم السوفيتي، جوزيف ستالين، لعمليات القتل الوحشية بحق التتار في القرم، واستخدم ذرائه تشبه إلى حد كبير ما تحتج به روسيا اليوم في حربها، وفقا لتعبير الصحيفة، إذ اتهمهم بأنهم شركاء للنازيين ورحّلهم قسريا خارج الإقليم في عملية تسببت بمقتل الآلاف منهم. 

تابعوا قصة موقع “الحرة” التفاعلية حول تتار القرم عبر هذا الرابط. 

وفي عام 1989، سمح ميخائيل غورباتشيف بعودتهم إلى شبه الجزيرة، وتشير الإحصاءات أنه وقبل ضم الإقليم لروسيا كان التتار يكلون 12 في المئة من النسبة السكانية للقرم، أي حوالي 260 ألف نسمة. 

وعارضت الأغلبية الساحقة من “تتار القرم” ضم روسيا الإقليم، وصوت حينها المجلس الأعلى لتتار القرم لصالح السعي لإقامة “منطقة حكم ذاتي عرقي وإقليمي” للأقلية المسلمة من السكان الأصليين في شبه الجزيرة الواقعة على البحر الأسود. 

وفي عام 2017، اتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” موسكو بقمع الأقلية المسلمة “بهدف يبدو وأنه يسعى إلى إسكات المعارضة في شبه الجزيرة تماما”. 

Scan the code