التخطي إلى المحتوى

صحيفة المرصد: علق الكاتب الدكتور بدر بن سعود، على طلب مفسر أحلام الزواج من فتاة خلال بث مباشر عبر “تيك توك”.

التكبيس وإرسال الهدايا

وقال بدر بن سعود، في مقال له بعنوان “مفسرون لا يستحقون الثقة”، المنشور بصحيفة “الرياض”: تعبير الأحلام أو تفسيرها تحول لظاهرة في الفترة الأخيرة، وتحديداً على منصة تيك توك الشهيرة، وقد وصل الأمر إلى درجة أن بعض المعبرين يفسرون قرابة 150 حلماً أو رؤية، وفي جلسة بث مباشر واحدة لا تتجاوز الأربع ساعات، والمسألة أقرب إلى التجارة واستغلال هواجس الناس ومخاوفهم، ولا يتحرج بعضهم أن يطلب من متابعيه (التكبيس) وإرسال الهدايا، ومن يدعم المفسر يحصل على أولوية في تفسير حلمه ويقدم على غيره، وقبل المنصة الصينية كان المفسرون يلجؤون إلى منصات السوشال ميديا للشهرة والوصول لأكبر قاعدة زبائن ممكنة، وفي أيام سطوة البرامج التلفزيونية المهتمة بهم على الفضائيات، كانوا يتربحون وبشكل صريح من وراء تفسيراتهم، وذلك بحسـاب قيمــة الدقيقة في الاتصال، سواء على البرنامج أو بالجوال أو الرسائل النصية، والأسعار كانت تصل إلى ثمانية دولارات للدقيقة أو في الرسالة النصية الواحدة، وبحسب رأي العارفين وأهل العلم الشرعي، فالرؤى والأحلام ظنية وليست يقينية، واحتمال حدوثها وفق تفسيرها لا يتجاوز 10 %، لأنها في واقعها لا تتجاوز دائرة المبشرات.

أضغاث الأحلام

وأضاف: علماء النفس وفي مقدمتهم النمساوي سيغموند فرويد، اهتموا بأضغاث الأحلام، وفق المفهوم القرآني، ولم يتكلموا أو يعترفوا بالرؤى، وعبارة تأويل الأحاديث في سورة يوسف تشير إلى طبيعة الحلم، وأنه قد يكون حديث بين الجسد والنفس كالجوع والعطش، أو حديث بين النفس والنفس في الهموم اليومية، أو حديث الشياطين للنفس في الموضوعات الغريزية والشهــــوانيــة، أو حديث بين النفس والمــــلأ الأعلــــى أو المـلائكة، مثلما حــــدث مع يوسف عليه الســــــــلام، وإبــــلاغه لوالده بحلمه الأول، وكــــذلك أحلام صاحبيه في السجــــن وحلــــم ملك مصر، أو حديث بين النفـــس والــــذات الإلهية، والســــابقة حدثت مع إبـراهيم عليه الســــــلام في رؤيا الذبح، والرؤيــا الصادقة تنسف النظرية المادية في الأدبيات الغربية، والسبب أنها تعزز مبدأ التحديد المسبق للمستقبل، والذي تتقدم فيه الفكرة على المادة والنتيجة على السبب وليس العكس، ويمكن القول إنها محصورة في الأنبياء وأولياء الله الصالحين دون غيرهم، لأنهم أصحاب نفوس مرتفعة وشفافة ومتجردة تماماً.

قصائد مشهورة

وأكمل: بالإضافة إلى أن الأحلام تحرض على الإبداع، وبعض الشعراء في المملكة كتبوا قصائد مشهورة لهم في أحلامهـــــم، أو على الأقـــــل صاغوا بداياتها، وديميتري مندليف رتب الجدول الدوري للعناصر في حلمه، ومعــه إتيان لينوار مخترع محرك البنزين، وحلم تيسلا بالمولد الكهربائي، وإلياس هوي استلهم فكرة ماكينة الخياطة من كوابيســـــه، وروايتي فرانكشتاين لماري شيلي ودكتور جيكل ومستر هايد للويس ستيفنسون، كانتا مأخوذتان من كوابيس تعرضـــا لها، والأحلام قد تنذر بخطر قادم، كحلم الرئيس إبراهام لينكولن باغتيـــاله قبل وقوعه، وحلم مارك توين بوفاة شقيقة في حياته، وحلم تسعة عشر شخصا من ركاب سفينة تيتانيك بغرقها.

تفسيرات مضحكة

وأشار: هناك حالة تسامح كبيرة مع معبري الأحلام رغم أخطائهم الكثيرة والواضحة، فقد وصلت (الطناخة) بهم إلى حد القيــام بالتفسير دون معرفة أحوال الحالم وشخصيته، ما أوقعهــم في إحـــراجات لا تحتمل الحصر، ولبعضهم تفسيرات مضحكة أو عبثية أو لا تحترم السائل وتسخر منه، ومن الأمثلة، طلب مفسر سعودي من صاحبة حلم أن يتزوجها بعد أن استمع إلى حلمها، والرأي الثابت عند العلماء المعتبرين في المملكـــة، لا يجيز الاستغلال أو التربح المالي من تفسير الأحـــلام، لأنها في نظرهم لا تختلف عن الفتوى، والأخيرة مجانية كما هو معروف، والاستثناء أن تأتي في صورة هدية بدون طلب، ولعل منصة تيك توك الأنسب في ذلك لاعتمادها على سياسة الهدايا، ولا أعرف الموقف الشرعي من تطبيقات تفسير الأحلام المنتشرة في المتاجر الإلكترونية، والمبالغ العالية التي تطلبها، والهوس بالأحلام وتفسيرها دخل إلى البحث في تفسيرات الحلم بنتائج مباريات كرة القدم، وفي التحديد السنوي لليلة القدر خلال شهر رمضان.

الجامعات الغربية

ولفت: بالتأكيد توجد تخصصات تدرس تفسير الأحلام من الناحية النفسية في الجامعات الغربية، ومعها معاهد وأكاديميات في مجموعة من الدول العربية، ولكني لست متأكدا من درجة موثوقيتها، أو من حصولها على الاعتماد الأكاديمي السعودي، وأتصور أن الرقية وتفسير الأحلام يحتاجان إلى نظام جامع يضبط أعمالهما، وتراخيص تبين المحتال من الصادق والمؤهــل من عديم التأهيل، لأن دخول غير المؤهلين يمثل خطورة كبيرة من الناحية العقدية والتربوية، ويؤدي لمشاكل معقدة بين العوائل والأقارب، وحالات طلاق أو تخبيب.

أحلام مصنوعة

وتابع: مع ملاحظة وجود مفسرين يتفقون مع آخرين على رواية أحلام مصنوعة، يفسرونها ويقولون بصدقيتها لخداع الناس واستــــدراجهم، واستنادا لإحصــــاءات 2016، فإن ما نسبته 35 % من المفســـرين المحليين، يستغلون أصحاب الأحلام لتحقيق المال والجاه والشهرة، وقد قامت إمــــارة الرياض في أواخـــر أكتوبر 2019، بتحرك مطلوب تجاه هؤلاء، وأوضحت وجود مخالفات شرعية ونظامية عليهم، ووجهـــت برصـــــدهم وتطبيـق الأنظـمة على المخالفين، ويجـــوز أن أزمة كـــورونا وانشغالاتها جاءت في مصلحتهم، وأخرت الإجراءات العقابية بحقهم.

Scan the code