التخطي إلى المحتوى

تنظر موسكو إلى دول آسيا الوسطى، حيث امتد الاتحاد السوفييتي والامبراطورية الروسية من قبله لعقود، على أنها دول حليفة، أو أحيانا دول تدور في محور الكرملين، لكن غزو روسيا لأوكرانيا أدى إلى قيام دول مثل كازاخستان وجيرانها بإعادة التفكير في هذه التحالفات والتواصل مع الولايات المتحدة، وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال.

في بداية العام، أرسلت روسيا أكثر من 2000 جندي إلى حليفتها القديمة، كازاخستان، للمساعدة في إخماد الاضطرابات العنيفة المناهضة للحكومة. وبعد ستة أسابيع، غزت القوات الروسية أوكرانيا، فأتيحت لكازاخستان فرصة رد الجميل من خلال دعم الغزو.

لكن لم يحدث ذلك.

وبدلا من ذلك، انضمت كازاخستان إلى دول أخرى في آسيا الوسطى على طول الحدود الجنوبية لروسيا في البقاء بعيدا عن موسكو، تاركة بيلاروسيا لتصبح الدولة السوفييتية السابقة الوحيدة التي قدمت دعما كاملا.

ووعدت كازاخستان بفرض عقوبات غربية على موسكو وقالت إنها ستعزز صادرات النفط إلى أوروبا عبر طرق تتجاوز روسيا وزادت ميزانيتها الدفاعية، واستضافت وفدا أميركيا كان يهدف إلى إقناع الدولة الواقعة في آسيا الوسطى بالاقتراب من فلك واشنطن.

وتقول الصحيفة إن المسافة المتزايدة بين موسكو وأكبر حليف لها في آسيا الوسطى تمثل “تحديا غير متوقع للرئيس الروسي،فلاديمير بوتين” بعد سعي موسكو لعقود في الحفاظ على نفوذها في جميع أنحاء آسيا الوسطى من خلال تحالفات عسكرية واقتصادية مع الجمهوريات السابقة، ومن أهمها كازاخستان، وهي دولة غنية بالنفط وكبيرة المساحة تشترك مع روسيا في حدود طولها 4750 ميلا، وهي ثاني أطول حدود في العالم.

وتقول الصحيفة إن غزو روسيا لأوكرانيا، وهي جمهورية سوفييتية سابقة أيضا، وتشترك في الكثير من أوجه التشابه مع كازاخستان “يغير العلاقة مع موسكو”، والآن تعيد كازاخستان التفكير في وضع روسيا المتميز في سياستها الخارجية وتتواصل مع دول مثل الولايات المتحدة وتركيا والصين، وفقا لمقابلات مع مسؤولين ونواب ومحللين كازاخستانيين حاليين وسابقين.

تظاهرة مناوئة لحرب روسيا في اوكرانيا.. كازاخستان

تظاهرة مناوئة لحرب روسيا في أوكرانيا

كازاخستان لن تعترف بـ”الدول الانفصالية”

وفي يونيو الماضي،  حضر الرئيس الكازاخستاني، قاسم جومارت توكاييف، المنتدى الاقتصادي في سان بطرسبيرغ في روسيا.

وقال توكاييف خلال مشاركته المنصة مع الرئيس الروسي إن كازاخستان لن تعترف بالدولتين الانفصاليتين المدعومتين من موسكو في منطقة دونباس في شرق أوكرانيا.

وخلال زيارته، قال توكاييف للتلفزيون الرسمي الروسي إن بلاده لن تساعد روسيا على انتهاك العقوبات، لكنه شدد على أن روسيا ستظل حليفا رئيسيا، و”كازاخستان لا تتخلى بأي حال من الأحوال عن التزاماتها تجاه حلفائها”.

وحظرت كازاخستان المظاهرات المناهضة للحرب التي قد تثير غضب موسكو، لكنها حظرت أيضا عرض علامة Z علنا والتي أصبحت رمزا مؤيدا للحرب في روسيا.

وجاءت إحدى أولى إشارات كازاخستان على أنها لن تسير جنبا إلى جنب مع روسيا بعد فترة وجيزة من بدء الحرب عندما امتنعت عن التصويت في الأمم المتحدة في أوائل مارس على قرار يطالب روسيا بإنهاء الغزو.

 وبعد أيام، أرسلت طائرة بوينغ 767 تحمل 28 طنا من الأدوية إلى أوكرانيا، وهي واحدة من عدة رحلات إغاثة أرسلتها.

وفي أوائل يوليو، نشرت وزارة المالية الكازاخستانية مسودة قرار بشأن الالتزام بالقيود الغربية المفروضة على بعض الصادرات إلى روسيا.

وأثار موقف كازاخستان غضب البعض في روسيا خاصة بعد أن ساعدت قوات روسيا في إخماد الاحتجاجات.

 

جنود روس يغادرون كازاخستان بعد انتهاء مهمتهم

جنود روس يغادرون كازاخستان بعد انتهاء مهمتهم

سيناريو متشابه

وتقع أوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان وقيرغيزستان إلى الجنوب من كازاخستان. ولم يدعم أي منها الغزو، وقالت أوزبكستان علنا إنها لن تعترف بجمهوريات دونباس الانفصالية.

و”أعطت القطيعة الجزئية الولايات المتحدة نافذة لمحاولة استعادة نفوذها في منطقة تراجعت عنها في السنوات الأخيرة” وفق الصيحفة الأميركية.

وزار مسؤولون أميركيون المنطقة عدة مرات، بدءا من أبريل الماضي، عندما سافرت عزرا زيا، وكيلة وزارة الخارجية البلاد.

وفي أواخر مايو، قام دونالد لو، مساعد وزير الخارجية، برحلة إلى كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان. وفي يونيو، قام رئيس القيادة المركزية الأميركية، الجنرال إريك كوريلا، بجولة في نفس البلدان.

وأثار تواصل الولايات المتحدة مع كازاخستان الدهشة في موسكو، حسبما قال أندريه غروزين، الباحث في آسيا الوسطى في الأكاديمية الروسية للعلوم التي تمولها الدولة للصحيفة.

وقال إنه إذا تحولت حكومة كازاخستان إلى موقف عدائي، فسيكون ذلك أكثر تهديدا لروسيا من أوكرانيا “المعادية”، بالنظر إلى الحدود المشتركة الطويلة بين البلدين.

وأضاف: “لكنني أعتقد أن الأمر لن يصل إلى هذا”، مؤكدا أن “النخبة في كازاخستان لديها غريزة أكبر للحفاظ على الذات من زملائهم في أوكرانيا”.

وقال مسؤولان بوزارة الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة طلبت من حكومات آسيا الوسطى الوقوف إلى جانب الغرب في دعم أوكرانيا لكنها أيضا حريصة على عدم ممارسة ضغوط لا مبرر لها.

وفي 28 يونيو، بعد أسبوع من زيارة الجنرال كوريلا إلى طاجيكستان، اختار بوتين هذا البلد ليكون أول محطة له في الخارج منذ غزو أوكرانيا.

وقال لنظيره الطاجيكي إمام علي رحمون: “أنا سعيد جدا لوجودي على أرض حليفنا الودية”.

وبعد زيارة لكازخستان، زارت زيا قرغيزستان المجاورة. وفي مؤتمر صحفي مشترك مع وزير خارجية البلاد آنذاك، رسلان كازاكباييف، أعلن الاثنان أن قرغيزستان والولايات المتحدة ستوقعان قريبا اتفاقية تعاون ثنائي تسمح للبلاد بتلقي مساعدات أميركية في مجالات مثل الاقتصاد والتعليم.

وقدم كازاكباييف استقالته بعد ثمانية أيام لأسباب صحية. وقال شخص مطلع على القرار إنه استقال بناء على طلب موسكو، وفقا للصحيفة.

ولدى موسكو قواعد عسكرية في قيرغيزستان وطاجيكستان، وموقع لاختبار الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية في كازاخستان.

وروسيا هي أكبر شريك تجاري للمنطقة وتوفر فرص عمل لملايين العمال في آسيا الوسطى.

وتبلغ قيمة التحويلات من الخارج ما يقرب من ثلث الناتج المحلي الإجمالي في قيرغيزستان، وأكثر من الربع في طاجيكستان، وحوالي 10 في المئة في أوزبكستان، وتأتي حصة الأسد منها من روسيا.

وبعد أن فرض الغرب عقوبات، تباطأ الطريق التجاري التقليدي لكازاخستان مع أوروبا عبر روسيا، مع قلق شركات التأمين والمستوردين. ودفع ذلك المسؤولين الكازاخستانيين إلى السعي إلى تنويع تجارتها.

وبعد أسابيع من الغزو، سافر وفد من المسؤولين الكازاخستانيين إلى أذربيجان وجورجيا، وهما دولتان سوفييتيتان سابقتان على بحر قزوين وعلى الحدود مع تركيا، لإجراء محادثات حول إحياء ما يسمى “الممر الأوسط”، وهو طريق تجاري يمتد من الصين إلى أوروبا عبر آسيا الوسطى ومنطقة القوقاز وتركيا.

Scan the code