قديماً تفقّد الناس الفقراء.. واليوم جمعيات توزّع فائض الطعام على المحتاجين
حفظ النعمة.. عطاء وتكافل
مجتمع الماضي حرص على مساعدة المحتاجين
عرف مجتمعنا منذ القدم حفظ النعمة بالحرص على عدم إهدارها وإلقائها في النفايات، حيث كان المجتمع قديماً في زمن الجوع والفاقة يستفيد من ذلك على وجهين؛ الأول: صيانة النعمة وحفظها من العبث ومن الإسراف والبذخ، من باب شكر الله على النعم لتدوم، والثاني: من باب التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع بتفقد الفقير والمعدم وإطعامه من فائض الطعام، وإن كان قليلاً في ذلك الزمان، وقد خلفت العديد من الأسر قصصاً متعددة باتت مضرباً للمثل في البذل والعطاء في سنين الجوع والفاقة والعوز بما كانت تجود به على الفقراء والمحتاجين من خلال الإطعام من بقايا الطعام، حيث لا يزال الكثيرون من كبار السن يتذكرون وقت الجوع والحاجة، فقد كان كل بيت من بيوت الموسرين إذا زاد عندهم طعام فإن الصغار يتسابقون طاعة لأوامر والديهم لإيصاله إلى أحد فقراء البلدة، خاصةً من كبار السن الذين لا يجدون عملاً لكبرهم أو بقائهم في البيت دون زواج ولا رعاية، كما أن من عادة كل أهل بيت أن يستغلوا كل طعام لديهم ولا يكاد يرمى منه شيء، فما زاد عن الحاجة عن الأكل فإنه يرفع ويحفظ للوجبة التالية، وما اجتمع من بقايا الأكل حول السفرة فإنه يعطى للطيور أو الحيوانات التي كانت جل البيوت تربيها من أجل لحومها ومنتوجاتها.
فائض الأطعمة
وبعد تحسن الحالة الاقتصادية للمملكة -ولله الحمد والفضل والمنة- فقد عرف الناس بعد فتح الباب على مصراعيه لاستيراد السلع ومن ضمنها السلع الغذائية، وعرف الناس أنواعاً جديدة من الأطعمة والحلويات وانتشرت الأسواق الكبرى، وعرض فيها ما لذ وطاب من الطعام، وبالتالي فقد انتشرت المطاعم التي تقدم أنواع الأطعمة العالمية، وازدادت الولائم والحفلات وبات يقدم فيها من الطعام أضعاف ما يحتاجه الحضور، خاصةً حفلات الأفراح، وبدا واضحاً وجلياً الإسراف في تقديم الأطعمة، مما جعل البعض من الناس يتخلصون من بقايا الأطعمة دون أن تستفيد منها الأسر المحتاجة، فيما كان البعض يحاول جاهداً أن يصل إلى المحتاجين لبقايا الطعام فلا يستطيع معرفتهم، وكحل لمثل هذا الإسراف انبثقت فكرة الاستفادة من فائض الأطعمة في الولائم من قبل بعض المحتسبين الذين يقومون بجمع الأطعمة من مكان الولائم وتغليف الصالح منها للأكل ومن ثم توزيعها على المحتاجين، وقد تبنت عدد من الجمعيات الفكرة تحث مسمى “مشروع الإفادة من فائض الولائم”، وتم توزيع أرقام تلك الجمعيات على الفنادق والمطاعم والمطابخ وبات التواصل معها سهلاً ميسراً للحضور لاستلام بقايا الأطعمة وتسليمها لمن يحتاجها من الأسر، كما تم تأسيس عدد من الجمعيات التطوعية بهدف حفظ النعمة في كافة مناطق ومحافظات المملكة ومراكزها وتولت تلك الجمعيات الاستفادة من فائض الولائم وإيصالها إلى المستفيدين بكل يسر وسهولة.
اجتهادات شخصية
ويأتي حفظ النعمة امتداداً للجهود الرامية إلى ذلك منذ عقود من الزمن، والتي كانت تتم بجهود فردية كمسؤولية اجتماعية تهدف الى ترابط المجتمع بكافة فئاته، حيث كان الفائض فيما مضى قبل انتشار الكهرباء وقبل انتشار المطاعم يتم توزيعه على الفور على الجيران كترابط اجتماعي أو على الفقراء والمحتاجين كتكافل اجتماعي ديني، خاصةً عند إقامة الولائم كولائم الزواج أو العقيقة وغيرها، ومع تحسن الحالة الاقتصادية ووفرة الغذاء وانتشار المطاعم فقد كثر فائض الطعام وبات من الصعب توزيع بقاياه من قبل العاملين فيه، الأمر الذي يضطرون فيه إلى التخلص منه بإلقائه في مكب النفايات مما سبب هدراً كبيراً للأطعمة دون الاستفادة منه، وقد قام عدد من محبي الخير بتبني حفظ النعمة باجتهادات شخصية ولاقت النجاح والقبول في المجتمع، ونتج عن ذلك تأسيس عدد ممن المشروعات التي ساهمت بشكل كبير في حفظ النعمة وسد حاجة الفقراء والمحتاجين من الأطعمة بما يحفظ كرامتهم.
جمعيات خيرية
ومن أجل مواجهة الهدر في الأطعمة والاستفادة من فائضها فقد قامت جمعيات خيرية تولت المحافظة على ذلك، ومن أولى هذه الجمعيات جمعية حفظ النعمة الخيرية التي تأسست عام 1436هـ في الرياض تحت إشراف وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وهي تسعى إلى العناية والمحافظة على الفائض من النعم، وحفاظًا على صحة البيئة ونشر الوعي بين أفراد المجتمع لسبيل ترشيد الاستهلاك، وقد توالى تأسيس الجمعيات الأخرى في كافة مناطق المملكة، ومن أشهر هذه الجمعيات جمعية خيرات لحفظ النعمة والتي تنفذ “مشروع جمع فائض الطعام”، وهو مشروع خيري يعنى بحفظ النعم التي تفيض من المناسبات الخاصة والعامة سواءً أكانت في المطاعم أو الفنادق أو القصور أو الاستراحات أو المنازل، فكل من لديه مناسبة يتوقع بقاء شيء منها فإن الجمعية تتولى أخذ فائض مناسبته وتجهيزه ومن ثم إيصاله للمستحقين، وجاءت رؤية الجمعية في الاستفادة من فائض الولائم الذي يعد منفذاً لمحاولة التغلب على مشكلة الفقر.
توعية المجتمع
ومن هذا المنطلق جاءت فكرة جمع الفائض تأسياً بفكرة بنك الفقراء المعمول بها في كثير من الدول الإسلامية، لما لذلك من أهمية في دعم الشراكة والتوعية وتحقيق مفهوم التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، بالإضافة إلى مبدأ الحفاظ على النعم ووقايتها من الهدر، فكانت انطلاقة المشروع في عام 1430هـ بجهد فردي ودعم شخصي من الشيخ سليمان بن محمد العبيدان -رحمه الله- فقد كان بمثابة الظل للمشروع يشرف عليه باذلاً وقته، ويهدف المشروع إلى توعية المجتمع ونشر ثقافة حفظ النعم، وحفظ النعم ووقايتها من الهدر، والتخفيف على الشريحة المستهدفة ومحاولة القضاء على الفقر، وخلق فرص عمل جديدة للشريحة المستهدفة بالدرجة الأولى، كما تقوم الجمعية الخيرية للطعام -إطعام- في مدينة الرياض بتنفيذ مشروع حفظ النعمة داخل المراكز التجارية، للمحافظة على بقايا الوجبات الغذائية، حيث وضعت “إطعام” آليات عمل وخطط تنفيذ مع الجهات المشاركة في المشروع تضمن نجاحه وتحقيق أهدافه، وذلك للمحافظة على بقايا الوجبات الغذائية، حيث وضعت آليات عمل وخطط تنفيذ مع الجهات المشاركة في المشروع تضمن نجاحه وتحقيق أهدافه.
توحيد المعايير
وفي إطار التنسيق بين جمعيات ومشروعات حفظ النعمة في كافة مناطق المملكة، فقد تولت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية عقد اجتماعات لمجلس جمعيات ومشروعات حفظ النعمة بالمملكة، وذلك لمناقشة اللائحة التنظيمية للمجلس، التي تتضمن الهيكل الإداري المقترح ومناقشة مهام المجلس وأهدافه، ومن أبرزها التنسيق بين جمعيات ومشروعات حفظ النعمة بما يحقق التعاون والتكامل وتطوير القدرات، والعمل على تنظيم لقاءات سنوية للجمعيات المعنية بحفظ النعمة لتبادل الأفكار والخبرات وتطوير العمل، وتوحيد المعايير والمصطلحات المستخدمة في مشروعات وبرامج حفظ النعمة، وإجراء البحوث والدراسات المتعلقة بالحد من الهدر وحفظ النعمة بعد التنسيق مع الجهة ذات العلاقة، وقد تضمنت مهام المجلس عقد شراكات مع الجهات ذات العلاقة لدعم أهداف جمعيات حفظ النعمة -التوعية والإعلام-، والحد من الفاقد والمهدر من الطعام، وإعادة الاستفادة من فائض الطعام، واستحداث مشروعات تنموية من خلال تلك الشراكات تكفل الاستدامة المالية الداعمة لمشروعات وبرامج حفظ النعمة، والعمل على تفعيل مشاركة المتطوعين في مشروعات حفظ النعمة، كما يتولى المجلس التنسيق الإعلامي الموحد لجميع جمعيات حفظ النعمة، ويبلغ عدد الجمعيات والمشروعات المرتبطة بحفظ النعمة أكثر من 30 جمعية بمختلف مناطق المملكة.
استدامة مالية
ويُعد بنك الطعام السعودي واختصارًا -إطعام- المعروف سابقًا بـ”الجمعية الخيرية للطعام” مؤسسة غير ربحية سعودية مُتخصصة بالطعام، مُرخصة من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، بدأ بتأسيسها في عام 2010م، وأعلن عن إشهارها رسميًا في 15 يونيو 2011م، بمبادرة من عدد من رجال الأعمال بالمنطقة الشرقية وعلى رأسهم عبداللطيف عبدالله الراجحي، وانطلقت أعمالها في مطلع 2012م في مدينة الدمام كأوّل بنك للطعام في المملكة ومنطقة الخليج العربي، ويقع مقرها الرئيس في مدينة الدمام، ولها أربعة أفرع في كل من: الرياض، وجدة، والأحساء والجبيل، وتعمل إطعام في مجال حفظ الموارد الغذائية من الهدر، وتقديم الطعام الآمن والمستدام للأسر التي يتعذر حصولها على الغذاء، وللجمعية مبادرات متعددة تهدف إلى نشر ثقافة حفظ النعمة، وصناعة عشرات الفرص الوظيفية للكفاءات الوطنية السعودية، ويتولى حفظ وتوزيع أكثر من 15000000 وجبة من الهدر، وجمع وتوزيع أكثر من 700000 سلة غذائية، وتوظيف أكثر من 150 شابا سعوديا وشابة، وتعمل إطعام على إنشاء عدد من المشروعات لتؤمن لها الاستدامة المالية، لتدير من خلالها عملياتها التشغيلية مستندة على مجموعة من الرعايات الفعالة والاستثمارات المستدامة في مجال العقار والغذاء.
سيارات مجهزة لنقل فائض الولائم
متطوعون في برامج حفظ النعمة
الزواجات قديماً نتج عنها فائض طعام لم تُستغل بشكل جيد للفقراء
تجهيز الطعام بطريقة صحية لضمان تسليمه دون سلبيات