التخطي إلى المحتوى

في العام الماضي، شهدت ولاية نبراسكا الأميركية جملة من النقاشات بشأن دروس “التعليم الجنسي” التي اقترحها مجلس التعليم في الولاية، والتي تضمنت معايير جديدة تشمل قضايا مثل التوجه الجنسي، والهوية الجنسية، والقبول، بحسب صحيفة واشنطن بوست.

وتختلف البلدان حول العالم في طريقة تعاملها مع تدريس التربية الجنسية التي هي من المحرمات في بعضها، مثل أغلبية الدول العربية، بينما تسعى دول أخرى إلى اعتمادها لعدة أسباب من أهمها الصحة الإنجابية وتجنب الوقوع في مشكلات صحية واجتماعية خطيرة.

والولايت المتحدة من بين الدول التي يدور فيها نقاش حول هذه المسألة. وتشير صحيفة واشنطن بوست في تقريرها حول المعايير الجديدة المقترحة في نبراسكا إلى تصريح طبيبة أطفال متقاعدة بأنها “ليست الجنس، كما يعرفه الناس العاديون”، وقالت الطبيبة، سو غرينوالد، إن هذه المعايير الجديدة ستتسبب في “استمالة الأطفال ليصبحوا ضحايا جنسيين”.

وحصلت الرسالة على دعم الحاكم الجمهوري، بيت ريكيتس، وناشطين يمينيين ما دفع بموجة من المرشحين اليمينيين لمجالس المدارس المحلية وعلى مستوى الولاية، ثم “انضم هؤلاء إلى “تمرد أوسع نطاقا مناهض للمؤسسة أطاح بقادة الحزب الجمهوري في الولاية”.

وبشكل عام، تتفاوت المواضيع التي يتم طرحها في دروس التربية الجنسية في الولايات المتحدة، كما أنه لدى الولايات سياسات مختلفة بشأن مدى إلزامية تلك الدروس للطلبة، وتعتبرها أغلب تلك الولايات “منصوحا بها” وليست إلزامية.

صف دراسي أميركي

التربية الجنسية في المدارس الأميركية

أدخلت الولايات المتحدة التعليم الجنسي إلى المدارس في خمسينيات القرن الماضي، لكن بداية الدعوة لإدخاله كانت منذ عام 1912، بحسب موقع مؤسسة Rethinking Schools التربوية.

وعلى الرغم من تأييد دائرة الصحة الأميركية، في عام 1940، إدخال التعليم الجنسي إلى المناهج المدرسية، إلا أن النقاشات الحادة بقيت مستمرة بشأن الموضوع طوال 30 عاما، إذ لم يرد المعارضون أي شكل من أشكال الثقافة الجنسية في المدارس العامة.

ويقول البعض إن الدروس الجنسية “بذيئة” و”مؤامرة شيوعية قذرة” وتؤدي لزيادة النشاط الجنسي بين المراهقين.

لكن الموقع يقول إن الأدلة أوضحت أن هذه البرامج “لا تروج للجنس ولكنها في الواقع ساعدت في تأخير النشاط الجنسي وتقليل معدلات الحمل في سن المراهقة”.

وتشمل الدروس تعريفا للعلاقة الجنسية من الناحية البيولوجية، وأيضا وسائل الوقاية من الأمراض الجنسية، ووسائل الوقاية من الحمل، ومواضيع التحرش الجنسي والاغتصاب، ثم بدأ إدخال مواضيع مثل الهوية الجنسية والتوجه الجنسي في الكثير من المناطق التعليمية الأميركية.

ويتلقى التلاميذ في الغرب، مثل دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة وكندا وأستراليا تعليما جنسيا واسعا يبدأ من مرحلة مبكرة، حيث يبدأ في الكثير من المناطق التعليمية في الولايات المتحدة من الصف السادس أو السابع (10-11 عاما) وحتى الصف الثاني عشر.

لكن في مراحل مبكرة، يطرح المعلمون على الطلاب وصايا تتعلق بمنع الاعتداء والتحرش الجنسي، والتعرف على المتحرش والإبلاغ عنه، وتحديد السلوكيات غير المرغوب فيها، بحسب موقع Find Law القانوني.

أوروبا

والتثقيف الجنسي إلزامي في معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، باستثناء بلغاريا وقبرص وإيطاليا وليتوانيا وبولندا ورومانيا والمملكة المتحدة، وفقا لدراسة صادرة عن البرلمان الأوروبي.

وتقول الدراسة إن التربية الجنسية تهدف إلى “نشر المعلومات العامة والتقنية والحقائق والقضايا التي تخلق الوعي وتزود الشباب بالمعرفة الأساسية والتدريب في مهارات الاتصال وصنع القرار التي يحتاجون إليها لتحديد الحياة الجنسية والاستمتاع بها جسديا وعاطفيا، ويوفر معلومات للأطفال والمراهقين والشباب عن الحياة الجنسية وعواقبها السلبية المحتملة”.

وتقول الدراسة إن “المحتوى والجودة يختلفان من بلد إلى آخر ومن المعروف أن بلدان الشمال الأوروبي تتمتع بأعلى مستويات الجودة في التربية الجنسية، في حين أن دول أوروبا الشرقية والجنوبية لديها برامج للتثقيف الجنسي ناقصة أو غير موجودة”.

وتضيف: “في النمسا، يدرج الآباء في دروس التربية الجنسية، وفي هولندا، تبدأ التربية الجنسية في سن الرابعة، بينما في بولندا، تكون الحياة الجنسية من المحرمات في المدرسة وكذلك في المنزل، وفي إسبانيا، نادرا ما يتم تدريس هذا الموضوع في المدارس في المناطق الريفية”.

ويقول الموقع: “في حالة الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيا، فإن المملكة المتحدة وسلوفاكيا وإسبانيا هي الأكثر قلقا، وفي هذه البلدان، لوحظ أن حملات التثقيف الجنسي والوقاية الجنسية غير كافية أو ناقصة”.  

تدرس دول الاتحاد الأوروبي الثقافة الجنسية.. صورة تعبيرية

روسيا

ويقول بحث منشور على موقع “التعليم العالي لدراسات الاقتصاد” الروسي إنه في الوقت الحاضر، لا يوجد تعليم جنسي في روسيا، على الرغم من حقيقة أن روسيا صدقت، في عام 2013، على إدخال التربية الجنسية في المدارس.

وعلاوة على ذلك، أظهرت نتائج العديد من الدراسات أن الحديث عن الجنس من المحرمات في المجتمع الروسي، وفقا للموقع.

الصين

وتم تقديم التربية الجنسية رسميا في الصين، في عام 1985. وتم عرض أجسام تشريحية صناعية لطلاب الصف الرابع وتعريفهم على مفهوم التكاثر الجنسي.

ويقول موقع South China Morning Post الصيني إن البلاد “لديها أمية جنسية وطنية، ورغم أن الطلب على التربية الجنسية آخذ في الارتفاع، فإن القيم عميقة الجذور قد تقف في طريق تطوير التربية الجنسية، حيث لا تعتقد العديد من العائلات أن المراهقين يجب أن يتواعدوا قبل الجامعة ويعتقدون أن الأب يجب أن يكون صانع القرار في الأسرة”.

ويقول الموقع إن معظم الأطفال الصينيين لا يتلقون تعليما جنسيا يفي بالمعايير الدولية، ومن غير المرجح أن يؤدي إقرار قانون يلزم المدارس ورياض الأطفال مؤخرا باعتماد التربية الجنسية إلى تغيير ذلك في أي وقت قريب.

وينص القانون المنقح بشأن حماية القصر، الذي أقرته أعلى هيئة تشريعية في الصين في 17 أكتوبر الماضي، على “التربية الجنسية المناسبة للعمر”، لكن من غير الواضح كيف تخطط الحكومة الصينية لتنفيذه.

ووفقا للمبادئ التوجيهية لليونسكو، ينبغي أن يغطي “التثقيف الجنسي الشامل” مواضيع تشمل العلاقات والمساواة بين الجنسين والإنجاب ومخاطر السلوك الجنسي، لكن القانون الذي أقرته الصين مؤخرا، والذي كان يفترض أن يدخل حيز التنفيذ في اليوم العالمي للطفل لا يذكر سوى منع الاعتداء الجنسي.

طلاب صينيون

الهند

في عام 2014، أعلن وزير الصحة الهندي، هارش فاردان، رغبته في حظر التربية الجنسية، واقترح تدريس اليوغا على أن تكون إلزامية في المدارس، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز.

وكان هذا الإعلان ضد التثقيف الجنسي معارضا لبرنامج التثقيف الصحي للمراهقين لعام 2007 والذي كانت المنظمة الوطنية الهندية لمكافحة الإيدز ووزارة تنمية الموارد البشرية التابعة لها تروج له، بينما عارض فاردان إدخاله في التعليم لأنه كان يعتقد أنه ضد القيم الهندية التقليدية.

وقال موقع Borgenproject الهندي إنه تم تهديد المدرسين بالعنف إذا درسوا الثقافة الجنسية.

وفي عام 2018، طرح رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، برنامجا للتثقيف الجنسي. ويقول الموقع إن هذا التدريب حيوي لأن الهند تحتل المرتبة الثالثة في انتشار وباء فيروس نقص المناعة البشرية في العالم.

وفي هذه الدروس، يتعلم الطلاب عن العنف الجنسي والصحة الجنسية من بين موضوعات أخرى، ويمتد على مدار 22 ساعة.

البلدان العربية

وقبل نحو شهر، ناقشت جامعة ديالى العراقية سؤالا لإحدى باحثاتها يقول: “هل آن الأوان لتقديم مواضيع الثقافة الجنسية في المدارس، أم يجب أن نترك أبناءنا عرضة لما يطرح في مواقع التواصل الاجتماعي؟”.

وفي المحاضرة، التي نقلتها وسائل إعلام عراقية، قالت الباحثة بشرى عناد مبارك: “الموضوع (التربية الجنسية) قد لايكون جميلا وقد يؤلم القلب، لكن هذا لا يعني أن نصمت”.

ندوة علمية تخصصية تربوية في اساسية ديالى تناقش التربية الجنسية للاطفال حلاً لمشكلة التحرش الجنسي وخطوة للارتقاء بثقافتهم الجنسية

ندوة علمية تخصصية تربوية في اساسية ديالى تناقش التربية الجنسية للاطفال حلاً لمشكلة التحرش الجنسي وخطوة للارتقاء بثقافتهم الجنسية نظمت كلية التربية الاساسية بجامعة ديالى – قسم الارشاد النفسي والتوجيه التربوي بالتعاون مع لجنة استحداث كرسي اليونسكو في الجامعة وشعبة التعليم المستمر ندوة علمية تخصصية تربوية بعنوان (التربية الجنسية للاطفال حلاً لمشكلة التحرش الجنسي وخطوة للارتقاء بثقافتهم الجنسية) بحضور ممثل قائد شرطة محافظة ديالى العميد نهاد محمد حسن مدير اعلام شرطة المحافظة والعميد صلاح عدنان اسماعيل مدير الشرطة المجتمعية في المحافظة والسادة اعضاء مجلس الكلية والتدريسيين وجمع غفير من التربويين والمختصين والطلبة. هدفت الندوة التي ادار جلستها الاستاذ الدكتور مهند محمد عبدالستار وحاضر فيها الاستاذ الدكتور بشرى عناد مبارك، الى اعداد منهج تربوي يعنى بالتربية الجنسية كمهارات يتدرب عليها الطفل لحماية ذاته النفسية والجسمية من التحرش الجنسي . وتضمنت الندوة مناقشة عدة محاور تمثلت بطرح عدد من الاسئلة والنقاش حولها وعلى النحو الاتي: (لماذا التربية الجنسية؟، هل التربية الجنسية حلا لمشكلات التحرش الجنسي بالاطفال؟، ما العوامل التي ادت إلى انتشار ظاهرة التحرش الجنسي بالاطفال؟، هل نستطيع بالتربية الجنسية ان نرتقى بوعي الطفل ليصل إلى ثقافة جنسيه تتسق مع فطرة الإنسان التي خلقنا الله عز وجل بها ليكون في المستقبل شخصا سويا نفسيا وفكريا واجتماعيا واخلاقها، وما دور المرشد التربوي في تدريب الطفل على سلوكيات التربية الجنسية ؟) واوصت الندوة بضرورة إعداد منهج تربوي بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم العالي تحت اسم التربية الجنسية بدءا من مرحلة رياض الأطفال وصولا إلى المرحلة الابتدائية. واقترحت الندوة ضرورة تعميم ودعم الندوات التي تعالج مشكلات التحرش الجنسي بالاطفال على مستوى وزارة التربية والتعليم العالي والاعلام ومنظمات حقوق الإنسان والشرطة المجتمعية ليس في اطار حدود الجامعة فقط بل كافة مؤسسات الدولة لنشر ثقافة الوعي بخصوص هذا الموضوع. وفي ختام الندوة قدم السيد عميد الكلية الاستاذ الدكتور عبدالرحمن ناصر راشد درع الكلية للمحاضرين تثمينا لجهودهم المبذولة في طرح ومعالجة هذه القضايا المجتمعية المهمة والخطيرة متمنياً لهم مزيداً من الرقي العلمي خدمة لمحافظتنا وبلدنا الحبيب.

Posted by ‎وكالة العراقية الآن‎ on Monday, May 30, 2022

ولا يوجد في العراق والكثير من الدول العربية الأخرى مناهج للتربية الجنسية، ويدرس طلاب الصف الثالث المتوسط (15 عاما) فصل “التكاثر” في كتاب علم الأحياء، الذي يحتوي شرحا مصورا لتشريح الأجهزة التناسلية الذكرية والأنثوية.

وفي العادة يتحول الدرس إلى “مادة محرجة” يقوم المدرسون “بالمرور عليها سريعا”، وفقا لأستاذ الأحياء في الدراسة المتوسطة، كريم عبد الحسن، الذي تحدث مع موقع الحرة.

وفي مصر، يقول موقع “حلول للسياسات البديلة” إن “الشباب يفتقرون نسبيا إلى المعلومات الخاصة بالصحة الإنجابية والجنسية، مثل التطور البشري ووظائف الأعضاء التناسلية والبلوغ والأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي والحماية من فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز”.

وأفاد 34 في المئة فقط من المراهقين بأنهم تواصلوا مع والديهم بشأن “البلوغ”، فيما لم يسمع سوى نصفهم فقط بالأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي، وفقا لدراسة أجريت عام 2015 أشار إليها الموقع.

وفي لبنان، رد الشيخ محمد توفيق المقداد على الدعوات لتدريس التربية الجنسية في المدارس بأنها “سبب رئيس من أسباب ازدياد العلاقات المحرمة، ومشاكل الإجهاض والأمومة المبكرة، والاستقلال المبكر للفتاة عن الأهل ونزولها إلى ساحة العمل ومعترك الحياة في سن مبكرة”، مضيفا في مقال: “نحن نرى في طرح تعليم- التربية الجنسية… دعوة إلى الإباحية والتحلل والخروج عن ضوابط المجتمع اللبناني”.

وأعلنت تونس، في عام 2019، إدراج التربية الجنسية في المناهج المدرسية، ما جعلها أول بلد عربي يدرج المادة في مناهجه. وتطلق تونس على المادة “التربية على الصحة الجنسية”.

طالبات تونسيات

تحديات تدريس التربية الجنسية

ويقول واثق صادق، المتخصص بعلم الاجتماع من العراق، في تصريح لموقع الحرة إن “التربية الجنسية هي من القضايا المسكوت عنها في مجتمعاتنا العربية بسبب مبدأ العيب والإحراج”.

وفي الوقت ذاته، يقول صادق: “السؤال الأهم هو: هل لدينا الكوادر المدربة لتدريس هذا الموضوع بشكل يراعي قدرة التلاميذ على الاستيعاب وأعمارهم والتعامل مع الموضوع بشكل علمي ودقيق؟”.

ويضيف: “نحن بحاجة إلى وقت مناسب وكاف للتدريب على إعطاء مثل هذا النوع من الدروس”، مؤكدا: “هناك ذكر في مواد العلوم والأحياء لبعض نواحي الموضوع، لكن المنهج قاصر، ومن يقوم بتدريسه قاصر أيضا”.

وفيما يخشى مناهضو تدريس التربية الجنسية من أن يتسبب تدريس هذه المواضيع بزيادة اهتمام الطفل بها ومن ثم تعريضه لمواقف “لا تناسب عمره”، يقول المؤيدون إن “العديد من الطلاب الصغار يلتقطون معلومات الصحة الجنسية من مصادر أخرى غير المدرسة، لكن المدرسة العامة هي أفضل فرصة للمراهقين للوصول إلى المعلومات الصحيحة”.

وتشير دراسات متنوعة إلى أن نسب حمل المراهقين، وانتشار الأمراض الجنسية، والتحرش والاعتداء، هي أكبر في الدول التي لا تدرس مواضيع الصحة والثقافة الجنسية أو الدول التي تدرسها بشكل قاصر.

ويشير موقع قسم التمريض بجامة ساوث كاليفورنيا إلى دراسة أجريت في عام 2008 خلصت إلى أنه عندما اشتمل التثقيف الجنسي على معلومات حول وسائل منع الحمل، انخفض مخاطر حمل المراهقات أكثر ممن تلقين توجيهات بالامتناع عن الجنس فقط أو لم يحصلن على أي تعليم جنسي.

ويضيف الموقع: “يمكن أن تخفف النتائج من الخوف المشترك بين الآباء والمعلمين الذين يشعرون بالقلق من أن الطلاب أكثر عرضة لزيادة نشاطهم الجنسي بعد تلقي التربية الجنسية الشاملة”.

Scan the code