التخطي إلى المحتوى

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) — يحارب ديفيد آدامز منذ 5 سنوات مرضًا مجهول الاسم. كان يدخل ويخرج من المستشفى مرات عدة في السنة. وجرّاء التهاب مفاصله شعر أنّ يديه كأنه تمّ ضغطهما في قفازين، ولم يعد في إمكانه العزف على آلات الغيتار الكلاسيكي والكهربائي التي يعشق.

كان يعاني من الحرارة والتعب بشكل مستمر. حتى أنه أصيب بألم وتورّم في أعضائه التناسلية، وكانت هذه أولى العلامات التي تشي بأنّ ثمة خطب ما.

وقال آدامز، البالغ من العمر 70 عامًا حاليًا: “في مطلع عام 2016، بدأ المرض ببعض التأثيرات المؤلمة حقًا في التشريح الذكوري”. وتابع أنّه “بعد ذلك شعر مجددًا بتعب شديد، وطلب له طبيب الرعاية الأولية في تلك المرحلة إجراء فحص دم، وتبيّن أن عدد خلايا الدم البيضاء لديّ منخفضًا جدًا”.

بعد ذلك، زار آدامز، الذي يعيش في مدينة ألكسندريا بولاية فيرجينيا الأمريكية، اختصاصي أمراض الدم، واختصاصي أمراض الرئة، واختصاصي المسالك البولية، واختصاصي أمراض الروماتيزم، ثم طبيب الأمراض الجلدية. واعتقد البعض منهم أنه مصاب ربما بالسرطان.

استمرت أعراض آدامز، التي ترافقت بشعوره المتزايد بالتعب، ومعاناته من الالتهاب الرئوي، وطفح جلدي شديد تحت خصره. لقد جرّب ما لا يقل عن 12 دواءً، وتردّد على نحو 20 طبيباً، من دون نتيجة.

عام 2019، تفاقمت أعراضه الأمر الذي دفعه إلى التقاعد باكرًا من حياته المهنية التي استمرت عقودًا في أنظمة البيانات السريرية. لكنه ظل يجهل سبب المشاكل التي يعاني منها.

أخيرًا، عام 2020، اكتشف العلماء في المعاهد الوطنية للصحة اضطرابًا وراثيًا نادرًا، أطلقوا عليه اسم متلازمة VEXAS، التي تلحق الضرر بالجسم من خلال الالتهابات والمشاكل في الدم.

كان لدى آدامز موعدًا مع طبيب الروماتيزم الخاص به حينها، وعندما دخل عيادته، رأى أن طبيبه “كان مبتهجًا مثل طفل صغير”.

كان يحمل نسخة من دراسة منشورة في مجلة New England Journal of Medicine توضح بالتفصيل اكتشاف متلازمة VEXAS.

وعليه حصل آدامز على الإجابة المنتظرة، وقال: “للمرة الأولى، كان هناك ارتباط مباشر مع الأعراض. لقد كانت صدمة كبيرة بالنسبة لي”.

“الغالبية العظمى” أخطأت في التشخيص

تشير دراسة جديدة إلى أن 1 من حوالي 13500 شخص في الولايات المتحدة قد يصاب بمتلازمة فيكساس، ما يعني أن الاضطراب الالتهابي الغامض، والقاتل أحيانًا، قد يكون أكثر شيوعًا ممّا اعتُقد سابقًا.

في حين أن الاضطراب الوراثي، الضمور العضلي النخاعي، يُصيب حوالي 1 من كل 10000 شخص، ويصيب مرض هنتنغتون حوالي 1 من كل 10000 إلى 20000 شخص.

منذ اكتشاف متلازمة فيكساس، تم الإبلاغ عن حالات عرضية في الأبحاث الطبية، لكن الدراسة كشفت عن تقديرات جديدة لانتشاره.

وأفاد البحث المنشور في مجلة JAMA، الثلاثاء، أنّ حوالي 1 من 13591 شخصًا في الولايات المتحدة لديهم طفرات في جين UBA1، الذي يتطور لاحقًا في الحياة ويسبب متلازمة فكساس.

عن هذا الاكتشاف قال الدكتور ديفيد بيك، الأستاذ المساعد في قسم الطب بجامعة NYU Langone Health والمؤلف الرئيسي للبحث العلمي، إنّ “هذه الدراسة توضح أنه يحتمل أن يكون هناك عشرات آلاف المرضى في الولايات المتحدة مصابين بهذا المرض، ولم يتم تحديد إصابة معظمهم بهذه المتلازمة لأن الأطباء لا يعتبرونه تشخيصًا شائعًا”.

متلازمة فيكساس ليست وراثية، لذا فإن الأشخاص المصابون بها لا ينقلون المرض إلى أطفالهم. لكن جين UBA1 موجود على الكروموسوم X، لذا فإن المتلازمة مرض مرتبط بـX. يصاب به في الغالب الرجال لأنهم يحملون كروموسوم X واحد فقط، فيما تمتلك النساء اثنين من كروموسوم X، لذلك إذا كانت لديهن طفرة في جين على كروموسوم X واحد دون الآخر، فلن يتأثرن عمومًا.

وأوضح بيك، الذي قاد أيضًا فريق البحث الفيدرالي الذي حدّد طفرة UBA1 بين مرضى متلازمة فيكساس عام 2020 أن “نقع عليها في 1 من 4000 رجل فوق سن الخمسين من العمر. لذلك نعتقد أنه مرض يجب التفكير فيه من حيث فحص الأفراد الذين يعانون من الأعراض”.

وتابع أنّ “فائدة متلازمة فيكساس هي أن لدينا اختبار. لدينا اختبار جيني يمكن أن يساعد بشكل مباشر في التشخيص”. وأضاف “إنها مسألة ترتبط بالمرضى الذين يستوفون المعايير، الأكبر سنًا المصابين بالتهاب جهازي، وانخفاض تعداد الدم، الذين لا يستجيبون حقًا لأي شيء سوى المنشطات، وعليه يطلب أطباؤهم منهم إجراء الاختبارات الجينية للحصول على التشخيص”. 

وقال آدامز، الذي أصبح مريضًا لدى بيك، إن الحصول على التشخيص في النهاية، وفهم سبب أعراضه، قد غيّر حياته.

“الطبيعة الشديدة للمرض”

بالنسبة للدراسة الجديدة، قام بيك وزملاؤه في المعاهد الوطنية للصحة وجامعة نيويورك وجيزنجر للأبحاث، ومؤسسات أخرى بتحليل بيانات 166096 مريضًا مسجلة في نظام صحي لوسط وشمال شرق ولاية بنسلفانيا، بين يناير/ كانون الثاني 1996 ويناير/ كانون الثاني 2022، ضمنًا السجلات الصحية الإلكترونية وعينات الدم.

اكتشفوا أنّ لدى 11 مريضًا طفرة UBA1 المسببة للمرض، ولدى الشخص 12 طفرة “مريبة للغاية”.

ثلاثة فقط من الـ12 ما زالوا على قيد الحياة. تم الإبلاغ سابقًا عن معدل البقاء على قيد الحياة بعد الإصابة بمتلازمة فيكساس خلال خمس سنوات، بنسبة 63 ٪.

وبين 11 مريضًا ضمتهم الدراسة الجديدة الذين لديهم طفرات مسببة للمرض في UBA1، كان هناك امرأتان فقط.7 كانوا يعانون من التهاب المفاصل كأعراض، و4 تم تشخيصهم بأمراض الروماتيزم، مثل الصدفية في الجلد أو الساركويد، الذي يسبب تورمًا في الجسم. جميعهم يعانون من فقر الدم أو انخفاض عدد خلايا الدم.

ولفت بيك إلى أنه “لم يتم تشخيص أي منهم سريريًا سابقًا بمتلازمة فيكساس”.

وأضاف إن النتائج “تؤكد على أهمية أن تكون قادرًا على اختيار هؤلاء المرضى، ومنحهم التشخيص وبدء العلاجات القوية للسيطرة على التهابهم”.

وVEXAS، اختصار لخمس خصائص سريرية للمرض، ليس لديه علاج أو علاج موحد، لكن بيك يرى أنه يمكن السيطرة على الأعراض من خلال استخدام أدوية مثل الستيرويد بريدنيزون أو مثبطات المناعة الأخرى.

وأشار إلى أن “مستوى السمية لبريدنيزون على مر السنين تمثل تحديًا. هناك أدوية أخرى مضادة للالتهابات نستخدمها، لكنها فعالة جزئيًا في الوقت الحالي”. وأضاف أن “أحد العلاجات التي رأيناها فعالة جدًا للأفراد تتمثًّل بزرع نخاع العظم. يترافق ذلك مع مخاطره الخاصة، لكن هذا يؤكد فقط على الطبيعة الشديدة للمرض “.

ورغم أنّ الدراسة الجديدة تساعد في تقديم تقديرات لانتشار وأعراض متلازمة VEXAS، إلا أن البيانات لا تمثل الولايات المتحدة بأكملها، وقال بيك إنه يجب إجراء المزيد من الأبحاث على مجموعة أكبر وأكثر تنوعًا من الناس.

قد يتردد بعض الرجال بطلب الرعاية الطبية لأعراض فيكساس، لكن آدامز قال إن القيام بذلك قد ينقذ حياتهم.

يتناول آدامز بريدنيزون للتخفيف من أعراضه، وقد ساعده ذلك. لكن نظرًا لأن استخدام الستيرويد قد يكون له آثارًا جانبية مثل إعتام عدسة العين وزيادة الوزن، فقد كان يعمل مع أطبائه على إيجاد علاجات أخرى حتى يتمكن من تخفيف تناوله للدواء.

“جوانب عديدة ومختلفة”

يدرس بيك وزملاؤه العلاجات المستهدفة لمتلازمة فيكساس، بالإضافة إلى إجراء تجارب زرع نخاع العظم بالخلايا الجذعية في المعاهد الوطنية للصحة.

وكانت الدكتورة بهافيشا باتيل، اختصاصية أمراض الدم، وباحثة في مختبر تكوين الدم وفشل نخاع العظام التابع للمعهد القومي للقلب والرئة والدم، لفتت في بيان صحفي للمعاهد الوطنية للصحة الشهر الماضي، إلى أنّ “هناك العديد من الجوانب المختلفة للمرض”.

واعتقدت باتيل، غير المشاركة في الدراسة الجديدة “أن هذا هو التحدي الذي يواجهنا عندما نفكر في العلاج، لأنه (المرض) غير متجانس للغاية”.

وقالت: “في كل من المعاهد الوطنية للصحة وفي جميع أنحاء العالم، تبحث المجموعات التي كرست نفسها لـVEXAS عن العلاجات الطبية بغية تقديمها للمرضى الآخرين غير المؤهلين لعملية زرع نخاع العظم”. وأضافت: “نواصل التعاون في العديد من المشاريع من أجل تصنيف هذا المرض بشكل أكبر والتوصل في النهاية، إلى أفضل خيارات العلاج”.

Scan the code