التخطي إلى المحتوى

كشفت صحيفة “اندبندنت” أنّ الفشل المنهجيّ في تقديم الرعاية الجسديّة الأساسيّة في أقسام الصحة النفسية التابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية (البريطانية) يؤدّي إلى وفاة المرضى في أنحاء البلاد على الرغم من التحذيرات المتكررة من الأطباء الشرعيين على مدى العقد الماضي.

فقد كشف تحقيق عن وجود 50 تقريراً على الأقلّ متعلّق “بالوقاية من الوفيات المستقبلية” استخدمها الأطباء الشرعيون لتحذير هيئة الخدمات الصحية من نقاط الفشل المنتشرة، وقد قُدّمت هذه التقارير منذ العام 2012 وضمّت 26 صندوقاً تابعاً لهيئة الخدمات الصحية الوطنية ومزوّدي الرعاية الصحية الخاصة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشملت الحالات الوفيّات الناجمة عن سوء التغذية ونقص الحركة والتضوّر جوعاً في أوساط المرضى المحتجزين في مرافق الصحة النفسيّة. وحذّر الخبراء بأنّ التدريب السيء والنقص في التمويل هما من الاسباب التي أدّت إلى تجاهل المرضى المستضعفين.

وكشف التحقيق الذي أجريناه ما يلي:

– فشل طاقم العمل في القيام بالفحص الصحي الأساسي كالتأكّد من عدم تجلّط الدم

– عدم تلقّي الممرّضين والمساعدين التدريبات اللازمة المتعلّقة بالإنعاش

– عدم قدرة الأطباء من القيام بإجراءات الاستجابة للطوارئ

– عدم تلقّي المرضى علاج التأثيرات الجانبية للأدوية المضادة للذهان

– عدم ملاحظة ومعالجة الصحة التي تتدهور بسرعة

وعرض الأطباء الشرعيون عدداً من حالات مرضى الطب النفسي الذين تلقّوا علاجاً غير ملائم في المستشفيات العامة وتمّ إخطاء تشخيص مرضهم على أنّه مشكلة نفسيّة.

وكشفت “اندبندنت” أنّ خُمس المرضى في وحدات الطب النفسي في أنحاء البلاد لا يتلقّون فحوصات الرعاية الصحية الجسديّة الأساسيّة عند دخولهم إلى المستشفى بحسب تقريرٍ صادر عن التحقيق الوطني السريّ في نتائج المرضى والوفيات.

وحذّر التقرير الذي أُجري هذا العام من “كثرة الفرص الضائعة” من قبل الخدمات الصحية في تحديد الحالة الصحية الجسدية لدى مرضى الطب النفسي ومعالجتها. وشرح التقرير بأنّ التراجع في الصحة البدنية غالباً ما يتبع الدخول إلى وحدات المرضى الداخليين.

ويتزامن هذا الأمر مع اضطرار المدير السريري الوطني للصحة النفسية في هئية الخدمات الصحية الوطنية في انجلترا للكتابة إلى المستشفيات محذراً إياها حول الحاجة لإجراء فحوصات الصحة البدنية.

وفي سياقٍ متّصل، دعت الدكتورة روزينا ألين-خان، وزيرة الصحة النفسية في حكومة الظلّ العمّالية إلى مراجعة سريعة للخدمات الداخلية (ضمن المستشفيات) للصحة النفسية. وقالت لـ”اندبندنت”: “تحتاج الحكومة إلى تولّي الأزمة المستمرّة في مستشفيات الطب النفسي، فالظروف الحالية غير إنسانيّة. يستحقّ المرضى ما هوم أفضل من ذلك.”

“لديّ تساؤلات كثيرة لم تتمّ الإجابة عليها”

توفيت إيفون إيفز نتيجة تجلّط الدم عندما كانت مريضة داخلية في مؤسسة مانشستر الكبرى للصحة النفسية التابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية عام 2020، بعد أن فشل الطاقم العامل ضمن الوحدة في إجراء تقييم يرصد مخاطر التجلّط الدموي.

وعزا الطبيب الشرعي في مانشستر الكبرى نيجل ميدوز وفاتها إلى “إخفاق كبير في مدّها بالرعاية الطبية الاساسيّة.” وتشكّل حالتها واحدة من اصل 4 حالات أخرى حذّر فيها الأطباء الشرعيون من عدم إجراء تقييم مناسب يرصد تجلّط الدم ويعالجه ضمن وحدات المرضى المقيمين.

وعانت المرأة البالغة 69 عاماً من مرض نفسيّ منذ سنّ الشباب. في يناير (كانون الثاني) 2020، أُدخلت إلى وحدةٍ يديرها صندوق الصحة النفسية في مانشستر الكبرى ولوحظ وجود “العديد من التقرّحات والجروح الملتهبة والعميقة الطويلة الأمد”.

تمّ بعد ذلك نقل إيفز إلى مستشفى حيث قُدّم لها علاج وقائي للجلطات الدموية الوريدية (VTE) أو تجلّط الدم ومن ثمّ أُخرجت وعادت إلى وحدة الصحة النفسية. بيد أنّ العلاج لم يُستكمل عندما عادت إلى وحدة الصحة النفسية والعقلية.

متحدّثةً إلى “اندبندنت”، قالت أختها لوريت فالون: “تُركت مع أسئلة بدون إجابات في ما يتعلّق بوفاة إيفون، على غرار هل كانت إيفون لتبقى على قيد الحياة في حال حصلت على التقييم والعلاج المناسبين؟ من الصعب إيجاد كلمات لوصف روحها المرحة وشخصيتها الغريبة. كانت إيفون تتمتّع بشخصيّة جاذبة وتركت أثراً على كلّ شخصٍ التقت به. كانت بمثابة الأمّ الثانية لابني سام. إنّها خسارة كبيرة وأنا افتقدها بشدّة”.

وأشار جيل غرين من مؤسسة مانشستر الكبرى للصحة النفسية التابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية إلى إدخال تحسينات في تزويد الرعاية الصحية الجسديّة بما في ذلك وضع استراتيجية جديدة وإدخال أدوار وظيفية جديدة مع التركيز على الرعاية الصحية البدنيّة.

وخلال العام الماضي، دفع التحقيق في وفاة جوناثان كينغزمان، 47 عاماً، جراء تجلّط دموي في وحدةٍ مؤسسة كامبريدجشاير وبيتربورو التابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية بأحد الأطباء الشرعيين إلى توجيه رسالة لوزارة الصحة والرعاية الاجتماعية محذراً فيها من أنّ التوجيهات الوطنية المتعلقة بتقييم الجلطات الدموية تفشل في أن تأخذ بعين الاعتبار المخاطر المرتبطة بالأدوية المضادة للذهان.

وقالت لارا، زوجة كينزمان لـ”اندبندنت”: “إن كان لديكم شخص في أسرتكم يعاني من مشاكل حادّة في الصحة النفسيّة، تشعرون أنّه سيكون في مكانٍ أكثر أماناً أو هذا ما تأملونه (في المستشفى). أنا لا ألوم بالتأكيد الاشخاص الذين كانوا يعتنون بجوني. أدرك الضغط الذي يرزح تحته هؤلاء وعليهم العمل في إطار التوجيهات التي أُعطيت لهم. قام أحد الأصدقاء بمراجعة تقييم المخاطر وقال لي “بوسعك إيجاد العديد من نقاط الضعف في تقييم المخاطر هذا في ما يتعلّق بتجلّطات الدم”.

“نعلم أنّه توجّب علينا بذل المزيد من الجهد”

وقالت الدكتورة لادي سميث، مديرة معالجة اللامساواة في الكلية الملكية للأطباء النفسيين: “إن كنتم تعانون من مشكلة حادة ومزمنة في الصحة النفسيّة، فأنتم معرّضين لخطر الوفاة قبل 15 إلى 20 عاماً مقارنةً بشخصٍ من عامة السكان. هذا ليس عادلاً.”

وقالت الدكتورة سميث بأنّ التحذيرات الصادرة عن الأطباء الشرعيين والتي كشفتها “اندبندنت” تلقي الضوء على المشاكل التي يسببها “تشرذم الرعاية”، مع مكافحة الأطباء النفسيين لجعل المرضى يحصلون على الرعاية الصحية الجسدية المناسبة. وأضافت: “كوني طبيبة نفسية، أدرك أنّه يتوجّب علينا بذل المزيد من الجهود. ولكن ليس بوسعنا القيام بذلك بمفردنا. نحتاج إلى شركائنا البعيدين وزملائنا في مجال الصحة النفسية ليصبحوا شركاء في ذلك.”

مارغريت فلين التي ترأست التحقيق عام 2011 في فضيحة الاعتداء التي حصلت في وينتربورن فيو، والتي كشفت عن سوء المعاملة المروعة والمعاملة السيئة للمرضى الداخليين الذين يعانون من صعوبات التعلم، قالت أنّه عندما يتمّ إدخال الأشخاص المستضعفين، “يتمّ النظر إليهم على أنّهم موجودون هناك لأنهم مجانين أو سيئين. ولهذا يتمّ تجاهل الرعاية الصحية الجسدية للأشخاص.”

خلال مراجعتها، قالت فلين أنّها وجدت المرضى في بعض الأحيان يتعرّضون “لفرطٍ في التغذية” وتشكّل زيادة الوزن في هذا السياق “مشكلة كبيرة”.

وفي حالةٍ أخرى، توفي بين كينغ الذي عانى من متلازمة داون، في مستشفى كاوستون بارك الخاصة للصحة النفسية في نورفولك. وخلال العام الماضي، أفضى تحقيق أُجري عنه إلى أنّه “توفي جراء سوء إدارة لوزنه” وبسبب الفشل في تشخيص وضع صحي مرتبط بالسمنة، فضلاً عن “سوء تقدير” للأدوية التي وُصفت له.

وشكّلت وفاة كينغ واحدة من ثلاث حالات استوجبت مراجعة فورية للمستشفى.

وفي مراجعةٍ رئيسية أخرى قامت بها هيئة الخدمات الصحية الوطنية ونُشرت العام الماضي في وفاة كلايف تريسي الذي كان محتجزاً في وحدات الصحة النفسية على مدى 10 أعوام، قالت المشرفة على التقرير بيفرلي داوكينز: “افترض الأشخاص أنّ الفرق العاملة في تلك الوحدات لديها كل المهارات اللازمة لإدارة الرعاية الصحية البدنية للأفراد، ومع ذلك كثيراً ما يكون الدليل عكس ذلك. سجّل العديد من الأشخاص في تلك الوحدات عدم خروجهم لممارسة الرياضة، وعدم الخروج للتنزّه، وأحياناً عدم الخروج إطلاقاً.”

وقالت أنّه على الرغم من الإخفاقات التي تمّ تسليط الضوء عليها على مدى أكثر من عقد، لا يزال هنالك سوء في التمويل والتركيز من قبل الهيئات الحكومية.

“أُرسلت للموت في سنّ مبكر”

بحسب التحقيق الوطني السريّ للانتحار والأمان في الصحة النفسية، لم يتمّ اعتماد “مؤشر التحذير المبكر” لدى ربع المرضى الذين كانوا ليستفيدوا منه. وهذا المؤشّر هو عبارة عن قياسٍ يهدف إلى رصد علامات التدهور الخطير في الصحة.

وقد حذّرت مراراً تقارير الأطباء الشرعيين التي اطّلعت عليها “اندبندنت” من فشل طاقم العمل في تحديد التراجع في الصحة الجسديّة لدى المريض.

وكانت روكسان براون، وهي أمّ شابة تبلغ 31 عاماً من العمر، توفيت نتيجة “الإهمال” في مستشفى شروسبيري كورت الخاصة في سوراي، والتي تمّ إقفالها عقب صدور تقرير حاسم عن لجنة جودة الرعاية (CQC).

وبحسب تقرير استقصائي اطّلعت عليه اندبندنت أيضاً، أُدخلت براون إلى المستشفى في مارس (آذار) 2019. وبعد سبعة أشهر، بدأت تظهر مؤشرات عن ارتفاعٍ في الحرارة وارتفاع معدّل النبض وقام أحد العمّال المساعدين بنقلها إلى طبيبها.

ويتمّ عادةً تقييم المرضى الذين تشهد صحّتهم تدهوراً ومنحهم “مؤشّر إندار مبكر”. بيد أنّه لم تتمّ مشاركة مؤشّر براون مع الطبيب الذي شخّص حينها إصابتها بالتهاب في الصدر. ووجدت الأدلة التي تمّ فحصها خلال التحقيق بأنّه لو اطّلع الطبيب على مؤشّرها لكان أرسلها إلى قسم الطوارئ والحوادث.

وأكثر من ذلك، لم يتمّ تدوين نصيحة الطبيب بتحويلها إلى قسم الطوارئ والحوادث في حال ساءت حالتها ولم تُستتبع تلك النصيحة من قبل طاقم العمل.

وفي هذا الإطار، قال ماثيو ترنر وهو المحامي الذي يمثّل عائلة براون بأنّ فشل الطاقم في رصد تدهور صحّتها يبدو “جزءاً من مشكلة أوسع تشمل سوء الرعاية الصحية الجسديّة للمرضى في مستشفيات الصحة النفسية.”

وقالت روبي براون، والدة براون: “يُخيّل إليّ أنّ كلّ يوم هو اليوم الذي توفيت فيه. والأسوأ من ذلك أنني لم أكن موجودة هناك للحصول على المساعدة الطبية التي كانت بأمسّ الحاجة إليها ولمواساتها وإخبارها بأنني سأفعل ما بوسعي لتكون الأمور على ما يرام. للأسف، لم يتمّ إبلاغي بأيّ من الأمور التي حصلت لها، أُخفي ذلك عنّي. كانت لتكون حيّة ترزق اليوم إن لم يتمّ إرسالها للموت في سنّ مبكرة وهي بالكاد تبلغ 31 عاماً. وأيّ علاقة كانت ستربطها مع ابنتها التي تبلغ 14 عاماً الآن؟”

“الحاجة إلى خطوات طارئة”

أفادت جمعية “انكويست” (Inquest) بأنّ المشكلة الأساسيّة تتمثّل في انقسام الرعاية الصحية بين الصحة النفسية والصحة الجسديّة. وصرّحت لوسي ماكاي من الجمعية لـ”اندبندنت”: “يجب اتخاذ خطوات طارئة في هيئة الخدمات الصحية الوطنية بهدف زيادة التواصل بين الخدمات والتأكّد من أنّ تضمّ وحدات الصحة النفسيّة خبراء بوسعهم مراقبة ومعالجة الحالات الصحية الجسديّة.”

عام 2019، نشرت لجنة جودة الرعاية متطلّبات لمقدّمي رعاية الصحة النفسية لكي يُجروا تقييمات على الصحة النفسية ومراقبتها. وفي سياق متصل، قالت جيميما بورناج من اللجنة لـ”اندبندنت”: “من المهمّ أن يلبّي طاقم العمل في إطار الصحة النفسيّة حاجات المرضى الجسديّة وكذلك النفسيّة بوصفها إحدى المسائل الأولوية. نقول بوضوح أنّه يتوجّب على مقدّمي الرعاية أن يجروا التقييمات المناسبة والمراقبة الدورية للصحة الجسدية للأشخاص الذين يتمّ الاعتناء بهم في خدمات الصحة النفسية داخل المستشفيات.”

ومن جهة أخرى، قال أندي بيل، نائب الرئيس التنفيذي في جمعية “مركز الصحة النفسية” (Centre for Mental Health): “يمكن أن يكون من الصعب الوصول إلى خبرة الصحة الجسدية في مستشفيات الصحة النفسية. إلى حد كبير، هذا ليس جزءاً مما هو متاح وتعاني مستشفيات الصحة النفسية من نسبة عالية من إشغال الأسرة “.

واعتبر متحدّث باسم هيئة الخدمات الصحية الوطنية بأنّ كافة مزوّدي خدمات الصحة النفسية والصعوبات التعلميّة هم ملتزمون “تعاقدياً” بتقديم فحوصات الصحة الجسديّة للمرضى.” وأضاف قائلاً: “قامت هيئة الخدمات الصحية مؤخراً بتذكير المناطق المحلية بهذا الأمر، فضلاً عن توفير تمويل إضافيّ لزيادة عدد طاقم العمل المتعدد التخصصات في المستشفيات بما في ذلك أخصائيي العلاج الوظيفي وعاملين إضافيين لدعم زملائهم.”

واعتبر متحدّث باسم وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية بأنّ: “أي شخص يحصل على العلاج في مرفق صحة نفسيّة داخلي يجب أن يحصل أيضاً على رعاية آمنة وعالية الجودة وأن يتلقّى الاهتمام بكرامةٍ واحترام. نحن ندرس ما هو مطلوب في المسائل الأوسع التي تتعلّق برعاية مرضى الصحة النفسية الداخليين وسنقوم بنشر تحديث حول ذلك في الوقت المناسب.”

(function(d, s, id) {
var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0];
if (d.getElementById(id)) return;
js = d.createElement(s); js.id = id;
js.src = “https://connect.facebook.net/en_US/sdk.js#xfbml=1&version=v3.0”;
fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs);
}(document, ‘script’, ‘facebook-jssdk’));

Scan the code