التخطي إلى المحتوى

بدأت المساهمات العقارية في المملكة قبل ما يقارب التسعين سنة، فأول مساهمة عقارية كانت بتاريخ ١٣٥٦هـ أقامها رجل الأعمال سعد بن يحيان حينما اشترى مزرعة “العويمرية” من عائلة الوعلان في الرياض في المنطقة التي يقع فيها منتزة سلام حالياً على طريق الملك فهد، ثم استمرت المساهمات العقارية بالنشاط حتى بلغت ذروتها مع بداية الطفرة الاقتصادية منذ عام ١٣٩٥هـ حتى عام ١٤٢٦هـ، وكانت المساهمات العقارية في تلك الحقبة هي الخيار الاستثماري الأبرز والأقرب للأفراد، كما كانت المساهمات العقارية أشبه بالبورصة بالنظر إلى قيمة التداولات قبل نشاط أسواق المال في المملكة، إذّ كان لبعض ملاك المساهمات إعلانات يومية في الصحف يتم من خلاله بيان السعر اليومي للسهم، وعلى إثره تتم عملية مبادلة تلك الأسهم والتخارج منها.

ومع شيوع هذا النوع من الاستثمارات ونجاح كثير من تلك المساهمات العقارية في صناعة الثروة وجني أرباح مجزية بوقت وجيز نسبياً، ما سوّغ لبعضٍٍ من غير ذوي الخبرة والأمانة الدخول في هذا المجال، مما الذي تسبب في تعثُّر كثيرٍ من تلك المساهمات العقارية وضياع حقوق المساهمين فيها؛ وذلك بالغالب بسبب تفريط مُلاك تلك المساهمات المتعثرة إما بعدم إعداد تقرير محاسبي للمساهمة تُضبط من خلاله حقوق المساهمين وأسمائهم وتوثيق حصصهم، أو لعدم تثبّت ملاك تلك المساهمات من سلامة صكوك مساهماتهم، أو التساهل باستخدام أموال المساهمين لغير الغرض الذي أُخذت لأجله؛ الأمر الذي دعى الجهات المختصة في الدولة للتدخل؛ لمعالجة هذا الخلل وتنظيم سوق المساهمات العقارية، وبذلك صدرت أول وثيقة رسمية لتنظيم المساهمات العقارية قبل (١٩) سنة، تختص بها وزارة التجارة والصناعة -وقتها- وذلك مع صدور “الضوابط المتعلقة بطرح المساهمات العقارية” في عام ١٤٢٦ﻫ.

هذه الضوابط اقتضت اشتراط فتح صندوق استثماري لدى هيئة السوق المالية وفقاً لأحكام لائحة صناديق الاستثمار العقارية على كل من رغب بالتقدم للحصول على ترخيص لمساهمة عقارية، فانحصرت المساهمات العقارية بهذا الشكل، والتي تُعرف اليوم بـ (صناديق الريت) للصناديق العقارية المطروحة طرحاً عاماً للمساهمين، وقد اشترطت لائحة صناديق الاستثمار العقارية ألا يقل رأس مال الصندوق عن (٥٠٠) مليون ريال عند طرحه في السوق الرئيسية، وألا يقل عن (١٠٠) مليون ريال عند طرحه في السوق الموازية.

كما اشترطت أن يكون مدير المساهمة (الصندوق) مؤسسة مالية مرخصاً لها بممارسة نشاط إدارة العقارات وتشغيل الصناديق، ما يعني عدم تمكن الأفراد أو الشركات العقارية التقليدية من التقدم مباشرة لفتح مساهمة (صندوق) عقارية إلا من خلال هذه المؤسسات المالية (الكابيتال)، وعادة ما تستحوذ هذه المؤسسات على نسب عالية من هوامش أرباح المطورين العقاريين وبالتي ارتفاع القيمة النهائية للمسكن على المواطن، مما انتهى بعزوف كثير من العقاريين عن هذا النوع من الاستثمارات لعدم جدواها.

ولملاحظة كثير من المراقبين والمهتمين بالشأن العقاري لضرورة البحث عن آلية نظامية تُعيد الحياة إلى قطاع المساهمات العقارية مع تنظيمه ومراقبته؛ كون هذا النوع من المساهمات يساعد بشكل كبير في إيجاد حلول سكنية لكثير من العائلات والأفراد في المملكة، إذّ يمكن القول بأن إيقاف أو المبالغة في تنظيم المساهمات العقارية ساهم بشكل ملحوظ في ضعف المعروض السكني في السوق، وكأن هناك علاقة طردية بين نشاط المساهمات العقارية وتوفر المساكن للمواطنين، فكلما تيسرت الإجراءات النظامية وجرى غض الطرف عن بعض ممارسات المساهمات العقارية كلما تيسر على الناس إيجاد مساكن لهم.

ولا غرو فإن كثيراً من أحياء مدينة الرياض أو الخُبر مثلاً اليوم هي نتاج -بشكل أو بآخر- للمساهمات العقارية، وأهل تلك الأحياء يعرفون ذلك جيداً؛ ولأجل ذلك كله صدر قرار مجلس الوزراء الموقر ذي الرقم (٨٨١) لعام ١٤٤٤هـ بالموافقة نظام المساهمات العقارية، الذي تميّز بالمرونة والتسهيل مع الرقابة والتسجيل، ويتضح ذلك بعدم اشتراط “فتح صندوق استثمار عقاري” لدى هيئة السوق المالية بخلاف التنظيمات السابقة، وستكون الهيئة العامة للعقار الجهة المختصة بتنفيذ أحكام النظام الجديد بدءً من الترخيص للمساهمات العقارية ثم المراقبة والإشراف عليها وتصنيف المساهمات والمطورين العقاريين وضبط المخالفات وإيقاع العقوبات إلى حين تصفيتها وإعادة أرباح المساهمين خلال مدة لا تزيد عن (٣) سنوات، ويُعد هذا النظام الوثيقة النظامية الأكثر شمولية لتنظيم قطاع المساهمات العقارية بهذا الشكل الجديد.

ومما سيجعل نظام المساهمات العقارية الجديد نظاماً ذا أثرٍ بالغ على السوق العقارية، أنه سيساعد المطورين والشركات العقارية من توفير المبالغ المالية التي يرغبون بالحصول عليها لتمويل مشاريعهم دون كلفة أو فائدة على مبلغ التمويل، كما أتاحت الهيئة العامة للعقار خيار الإعلان عن المساهمات العقارية وفقاً لأحكام الضوابط اللازمة للإعلانات العقارية، مما يجعل خيار الحصول على (السيولة) أمراً أكثر سهولة وأسرع من الخيارات السابقة أو الجهات التمويلية ذات الفوائد العالية التي لا تُبقي للمطور العقاري فائدة تذكر، ولكن بصدور نظام المساهمات العقارية تبدأ مرحلة عقارية جديدة بوجود أنظمة تشريعية واضحة، وجهة رقابية مختصة، وأدوات تمويلية متعددة، الأمر الذي يجعل السوق العقاري أكثر موثوقية وضمانة للأطراف.

Scan the code