التخطي إلى المحتوى

“أطلب منكم أن تأخذوا حديثي على محمل الجد وتنفذوه.. أسرع إخلاء ممكن”، هكذا استقبل سكان منطقة خيرسون الأوكرانية المحتلة، طلبا من قبل نائب حاكم المنطقة الذي عينته روسيا، كيريل ستريموسوف، على تليغرام مساء الثلاثاء، بذريعة أن هناك هجوما أوكرانيا وشيكا.

كانت خيرسون أول مدينة كبرى تسقط في أيدي قوات موسكو بعد الغزو الروسي في نهاية فبراير، وهي واحدة من أربع مناطق أوكرانية تسيطر عليها روسيا جزئيا وأعلنت ضمها الشهر الماضي، ووضعتها تحت مظلتها النووية.

تراجع

ويكشف المحلل السوري، محمود الحمزة الذي يقيم في موسكو، أن قائد القوات الجنوبية في الجبهة الأوكرانية والذي تم تعيينه في وقت سابق من الشهر الجاري قائدا للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، سيرغي سوروفيكين، كان قد طلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إجلاء القوات من غرب نهر دينيبرو إلى شرقه في مدينة خيرسون، لأنه يبدو أنه يخشى من هجوم أوكراني مضاد فيصبح الإجلاء صعبا بعد محاصرتهم، بوتين رفض حينها، والآن وافق”. 

القائد الجديد للقوات الروسية الغازية في أوكرانيا سيرغي سوروفيكين

وأضاف أن “مسؤولي خيرسون كانوا أيضا يرفضون الفكرة ويقولون نحن صامدون أمام أي هجوم أوكراني، والآن صدر قرار بإخلاء المدينة”. 

واعتبر الحمزة أن إصدار قرار بإجلاء المدنيين هي عبارة عن “حجة أو مبرر”، مضيفا أنه “ربما يكون لديهم خطط بقصف المدينة بعد دخول القوات الأوكرانية وتجمعها في خيرسون، وربما يستخدمون التكتيك النووي حينها”.

وأوضح أن هذا يعني أن هناك احتمالا كبيرا بأن تقع خيرسون في يد الأوكرانيين، والروس يريدون الحفاظ على قواتهم. 

وتقع هذه المدينة على الضفة الغربية لنهر دينيبرو، في الجانب نفسه الذي كانت القوات الأوكرانية تتقدم فيه عبر هجوم مضاد بدأ في أغسطس.

سلطات الاحتلال الروسي في خيرسون تقول إنها ستخلي المدينة

سلطات الاحتلال الروسي في خيرسون تقول إنها ستخلي المدينة

ويقول الحمزة، إن “الأوكرانيين تقدموا في كل المجالات وفي كل المناطق، وأصبح الهم الأول للروس هو إيقاف الهجوم الأوكراني وليس الانتصار عليه”. 

وأدلى سوروفيكين، الثلاثاء باعتراف نادر بالضغوط التي يتعرضون لها من الهجمات الأوكرانية لاستعادة المناطق الجنوبية والشرقية التي أعلنت موسكو ضمها قبل أسابيع فقط.

وفي إشارة إلى خيرسون، قال الجنرال سوروفيكين “الوضع في هذه المنطقة صعب، فالعدو يقصف عمدا البنية التحتية والمباني السكنية”.

ويرى الباحث السوري في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، سمير التقي، أن روسيا تريد تنفيذ عمليات إخلاء المدنيين من خيرسون لأنها تعتقد أنها تحتاج إلى مناطق بدون سكان يمكن أن يكونوا معادين، هذا نفذوه في سوريا وغرزوني في الشيشان عمليا. 

وقال مسؤولون موالون لروسيا إن المدنيين لن يُسمح لهم بالمغادرة إلا باتجاه روسيا أو الأجزاء التي تسيطر عليها روسيا في أوكرانيا.

جانب من مدينة خيرسون حيث تقول سلطات الاحتلال الروسي إنها لن تسمح للمدنيين للذهاب إلى مناطق تحت سيطرة القوات الأوكرانية

جانب من مدينة خيرسون حيث تقول سلطات الاحتلال الروسي إنها لن تسمح للمدنيين للذهاب إلى مناطق تحت سيطرة القوات الأوكرانية

واستهدفت القوات الأوكرانية جسورا عبر النهر لتعطيل خطوط الإمداد، لذلك تتم عمليات الإجلاء بالعبارات، على ما قال مسؤولون روس.

“سياسة الأرض المحروقة”

ويعتقد التقي، في حديثه مع موقع “الحرة”، أن “هذا التكتيك يسمح لروسيا أن تسيطر على السكان من جهة من خلال نشر حالة من التخويف والترهيب، واستخدام سياسة الأرض المحروقة من جهة أخرى من خلال قصف شديد للمدينة في حال استعادتها القوات الأوكرانية”. 

وقال فلاديمير سالدو حاكم المنطقة الذي عينته روسيا في مقابلة مع التلفزيون الروسي “في الوقت الحالي لدينا إمكانيات كافية لصد الهجمات وبدء هجوم مضاد، إذا تطلب الوضع التكتيكي ذلك. ستصمد المدينة، نحن ببساطة بحاجة لحماية السكان المسالمين. الجنود يعرفون ما يتعين عليهم القيام به، سيصمدون حتى الموت”.

وقال إن أكثر من خمسة آلاف شخص رحلوا بالفعل في اليومين الماضيين، وسيتم إخراج ما يقدر بنحو عشرة آلاف شخص يوميا خلال الأيام الستة المقبلة.

يفند التقي الرواية الروسية بأن دعوة الإجلاء هي بسبب خوفها على السكان المدنيين من قصف القوات الأوكرانية التي في حالة استعداد كامل للهجوم على المدينة قائلا “الأوكرانيين لم يقصفوا قبل ذلك المدن قبل استعادتها من أيدي الروس، بل إن موسكو هي من تفعل ذلك لأنها عبارة عن جيش مدفعية ولا تجيد إلا القصف”. 

ويضيف “الأوكرانيون يتبعون الطريقة الغربية وهي الهجوم ومحاصرة القوات الروسية بدون اللجوء للقصف”. 

وإذا نجحت أوكرانيا في استعادة المدينة، فإنها ستكون هزيمة كبيرة جديدة للرئيس فلاديمير بوتين وجيشه وستختبر التزامه المعلن بالدفاع عما يزعم أنها أراض روسية بكل الوسائل المتاحة ومنها الأسلحة النووية.

تقدم أوكراني في معظم المناطق

تقدم أوكراني في معظم المناطق

واضطرت القوات الروسية في خيرسون للتقهقر لمسافة تتراوح بين 20 و30 كيلومترا على مدى الأسابيع القليلة الماضية، وقد يعني ذلك أنها مهددة بأن تصبح عالقة على الضفة اليمنى أو الغربية لنهر دنيبرو.

يعتقد كل من التقي والحمزة أنه باستطاعة القوات الأوكرانية تحرير خيرسون وطرد الروس منها. 

ويقول التقي: كل المؤشرات تدل على أن المبادرة لا تزال في يد أوكرانيا وباستطاعتها تحرير كل المناطق التي تم احتلالها بعد 24 فبراير الماضي، وأن الروس سيكونون في موقف ضعيف حتى الربيع المقبل. 

وحدد التقي الربيع المقبل، “لأنه ستدخل حينها قوات الاحتياط التي أعلنت عنها روسيا تعبئتها وهي عبارة عن 300 ألف عسكري، فضلا عن أنها ستكون قد حاولت تصنيع بعض الأسلحة”. 

يرجح الحمزة استعادة أوكرانيا السيطرة على خيرسون، “لأن وضعها العسكري يسمح بذلك في مقابل ضعف شديد لروسيا سواء في الإعداد أو السلاح أو الخدمات اللوجستية، فضلا عن فرق المعنويات الكبير بين مقاتلي البلدين لصالح الأوكرانيين. 

أحكام عرفية

ووسط ما يجري في خيرسون، أعلن بوتين، الأربعاء، فرض الأحكام العرفية في أربع مناطق أوكرانية ضمتها بلاده من جانب واحد وهي دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا، إلى جانب خيرسون.

وفي تصريحات متلفزة أمام مجلس الأمن القومي في روسيا، أمر بوتين الحكومة أيضا بإنشاء مجلس تنسيق خاص برئاسة رئيس الوزراء، ميخائيل ميشوستين، للعمل لتعزيز جهود موسكو الحربية في أوكرانيا.

لم يفصح بوتين على الفور عن الخطوات التي ستتخذ بموجب الأحكام العرفية، لكن القانون يشير إلى أنه قد يتضمن قيودا على السفر والتجمعات العامة، وفرض رقابة أشد ومنح سلطات أوسع لأجهزة إنفاذ القانون. كما لم يوضح بوتين تفاصيل السلطات الإضافية التي ستمنح لرؤساء الأقاليم الروسية بموجب مرسومه.

وأصدر الكرملين بعد ذلك مرسوما يعلن دخول الأحكام العرفية حيز التنفيذ في هذه المناطق اعتبارا من منتصف ليل الخميس.

ويرى الحمزة في حديثه مع موقع “الحرة”، أن إعلان حالة الطوارئ في الأقاليم الأربعة التي أعلنت روسيا ضمها، تعني إغلاق المنطقة تماما وجعلها عسكرية بحتة، وأن الجميع بما فيهم القيادات المدنية تخضع لأوامر القيادة العسكرية، وكل شيء بما فيها المصانع يخضع للأوامر العسكرية وحاجات الجيش، معتبرا أن “هذا وضع خطير جدا”. 

وأضاف أنه في هذه الحالة، فإن “القائد العسكري يمكن أن يتخذ أي قرار وعلى الجميع تطبيقه بدون مناقشة ولا يوجد أي خيارات”. 

يكشف الحمزة عن أن “هناك حديثا الآن عن إعطاء الرئيس الروسي لرؤساء الأقاليم داخل روسيا صلاحيات أوسع، وأنه يمكنهم أن يقوموا بالتعبئة، وأن وزارة الدفاع يمكنها أن تقدم لهم الدعم”.

ويوضح: “بتقديري هذا يشبه إعلان حرب على كامل الأراضي الروسية، وهذا ما لا يريد بوتين أن يعلن عنه صراحة، لأنه يخشى من التعبئة العامة، فيعطي الصلاحيات للقادة العسكريين في الأقاليم الروسية لتنفيذ التعبئة في مناطقهم”.  

Scan the code