عملية انتقامية شهدها مخيم اللاجئين السوريين في بلدة تل – حياة العكارية، شمالي لبنان، الأحد، حيث أقدم عدد من أقارب الضحية اللبناني دياب خويلد على إشعال النيران بالمخيم، بعد شكوك بشأن ضلوع أحد ساكنيه بجريمة قتله.
وقبل يومين أُعلن عن اختفاء دياب، لتبدأ عائلته والقوى الأمنية رحلة البحث عنه، التي انتهت بالعثور على جثته أمس عند شاطئ القليعات، وبحسب ما شرحه إيهاب خويلد شقيق الضحية فإن “الأمر اقتصر على إحراق خيمة شقيق اللاجئ الذي تحوم حوله الشبهات، وذلك بعد هروبه من المخيم، رغم تواصلنا معه في الأمس وإعطائه ضمانات بعدم التعرض له، فلو لم يكن يخشى من شيء لما غادر المكان”.
وأضاف إيهاب في حديث لموقع “الحرة” “أوقفت القوى الأمنية المتهم بارتكاب الجريمة ويدعى مصطفى، إضافة إلى شخص آخر يدعى عمّار”.
وفيما إذا كان وراء مقتل دياب، الوالد لسبعة أبناء أكبرهم يبلغ من العمر 13 عاماً، أجاب “إلى الآن لم يثبت شيئاً، ننتظر التحقيقات، لكن آخر اتصال تلقاه شقيقي كان من مصطفى، حيث أن أموراً مادية كانت تجمعهما، إذ إن للضحية مبلغاً في ذمته”.
كان دياب (43 سنة) يعمل في تجارة المواشي، وبعد اختفائه “قال مصطفى إنه أعطاه 7 ملايين ليرة منهياً الدين بينهما، لكن لم نعثر على المبلغ عند عثورنا على الجثة، وبعد أن كان أطعلنا بأنه التقى شقيقي عند الساعة السادسة مساء غيّر أقواله بأنه التقاه عند الرابعة والنصف من بعد الظهر”، بحسب إيهاب.
وشدد شقيق الضحية على أن أولاداً يبلغون من العمر 13 سنة هم من أقدموا على إحراق الخيمة، “كونهم غاضبين من الجريمة النكراء، وللعلم لم نستطع حتى غسل شقيقي قبل دفنه نتيجة التنكيل بجثته، فقد ضرب بآلات حادة شوّهت وجهه وتم وضعه في كيس نايلون”.
لكن شقيق مصطفى، طراد أبو نواف (رئيس المخيم) أكد أن حوالي 85 خيمة من أصل 90 طالتها النيران، غالبية سكانها ينحدرون من دير الزور والرقة، شارحاً لموقع “الحرة” أنه “في الأمس هجم أقارب الضحية بالسلاح على المخيم أربع مرات، رغم تسليمنا مصطفى للقوى الأمنية بناء على طلبهم، وقد غادرنا المخيم حقناً للدماء ولحين كشف كافة ملابسات الجريمة”.
وأضاف أبو نواف “ينفي شقيقي الوالد لخمسة أبناء تورطه بجريمة القتل، وبحسب ما علمته فإنه سبق أن استدان مبلغاً مالياً من دياب، وقد دفع له الدفعة الأخيرة البالغة 7 ملايين ليرة قبل أن يفقد أثره”، وعن سبب التعامل المالي بين الاثنين أجاب “يتم التداول بأن دياب يقرض المال مقابل فائدة”.
وكانت آليات الدفاع المدني حضرت إلى المكان لاخماد النيران، كما قدمت قوة من الجيش اللبناني لضبط الوضع، وقد وصف أبو دهام، وهو أحد سكان المخيم، كيف باغتهم هجوم الشبان وترويع النساء والأطفال، ليقوموا بعدها بإشعال الخيم من دون أن يسمحوا لهم بأخذ أي مما يمتلكونه.
وقال “احترقت خيمتي وخيم أولادي، رغم أن لا ذنب لنا بكل ما حدث”، وأضاف في حديث لموقع “الحرة” قبل أربع سنوات قدمنا إلى المخيم، واليوم أجبرنا على الخروج منه بالقوة”.
في الوقت الذي اعتبر فيه أبو نواف أن إحراق المخيم عمل لا إنساني، شدد إيهاب “استقبلنا اللاجئين في بيوتنا، ورضينا بأن يقاسمونا رزقنا، وبدلاً من أن يردوا الجميل لنا ويحافظوا على حياتنا، قتلونا، لذلك نقول إلى هنا وكفى، لم يعد بامكاننا التحمل أكثر، وبما أن معظمهم يدخلون إلى سوريا متى شاؤوا، فليعودوا إلى بلدهم ويبقوا هناك”.
وليست المرة الأولى التي يتعرض فيها مخيم للاجئين السوريين في لبنان للاحتراق بحوادث مفتعلة لأسباب مختلفة، إلا أنه كما يقول رئيس “المركز اللبناني لحقوق الإنسان” وديع الأسمر، فإن إحراق الممتلكات انتقاماً يحصل كذلك نتيجة اختلاف لبنانيين بين بعضهم البعض، لكن ردة الفعل تطورت ضد اللاجئين السوريين بسبب الخطاب التحريضي الذي تلجأ إليه السلطة اللبنانية لتبرير فشلها وفسادها وحالة الانهيار التي أوصلتنا إليها”.
ترجمة الخطاب التحريضي على أرض الواقع تحصل، كما يقول الأسمر لموقع “الحرة”، من خلال عمليات عنفية، وبدلاً من أن يتجنب المسؤولون ذلك، في ظل الضغط الذي يعيشه اللاجئون السوريون واللبنانيون على حد سواء، نجدهم يضغطون أكثر وكأنهم يبحثون عمّا يفجّر الوضع، لإلهاء الناس عن فشلهم بالإصلاح وتحسين الوضع”.
وختم داعياً الأجهزة الأمنية إلى الإسراع بكشف ملابسات الجريمة، والاقتصاص من مرتكبها، “الذي وحده يتحمل وزر ما أقدم عليه وليس مجتمعه”.
ومنذ فترة يشهد ملف اللاجئين السوريين في لبنان تصعيداً غير مسبوقاً، مع توالي التصريحات الرسمية المشددة على ضرورة عودتهم إلى بلدهم، والتي وصلت إلى حد تهديد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي “باتخاذ موقف غير مستحب على دول الغرب، وذلك بإخراجهم بالطرق القانونية في حال لم يتعاون المجتمع الدولي مع لبنان”.
ويتابع وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال، عصام شرف الدين، ملف اللاجئين السوريين، ولهذه الغاية سيزور دمشق لمناقشة خطة السلطات اللبنانية، التي تقوم على إعادة 15 ألف لاجئ شهرياً، وذلك على الرغم من تحذير منظمات دولية من الإعادة القسرية بعد تسجيلها لانتهاكات تعرض لها عدداً من الذين سبقوا أن عادوا إلى سوريا.