التخطي إلى المحتوى

خفّفت الولايات المتحدة من مقاومتها، لمشروع إنشاء الدول الغنية لصندوق مالي، يخصص تعويضات مالية للبلدان النامية التي تعاني من آثار التغيرات المناخ، ولكنها موازاة مع ذلك، تواصل مطالبة الصين بضرورة الدفع أيضا باعتبارها المصدر الأكبر للانبعاثات الغازية.

ويأتي هذا التغير في موقف واشنطن بعد سنوات من عملها كـ”حصن مقاومة” رافض لتسديد هذه التعويضات، بحسب تقرير لـ”بوليتيكو”، كما تأتي خطوتها لزيادة للضغط على الصين “البعبع المناخي” الذي يصنف كبلد نام، من أجل تعويض البلدان الأكثر تضررا من تأثيرات التغير المناخي.

وتمثل النقطة المتعلقة بتقديم الدول المتقدمة لتعويضات مالية إلى الدول التي تعاني من كوارث ناجمة عن تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة، من أكثر القضايا إثارة للجدل في مفاوضات المناخ العالمية، والتي تستأنف اليوم في قمة المناخ الـ27 في شرم الشيخ، بمصر.

“الخسائر والأضرار”

وتحتل الصين والولايات المتحدة المرتبتين الأولى والثانية تواليا، في العالم في إصدار الغازات الملوثة التي تتسبب في ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي للكوكب، حيث تضخان ما يقرب من نصف أبخرة الوقود الأحفوري من النسبة العالمية.

المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون تغير المناخ، جون كيري، أكد للصحفيين أواخر الشهر الماضي على ضرورة مساهمة الصين في الدعم الذي ستقدمه الدول المتقدمة، “خاصة إذا كانوا يعتقدون أنهم سيستمرون في المضي قدما إلى الثلاثين عاما القادمة مع زيادة انبعاثاتهم”.

والقضية، التي يشار إليها باسم “الخسائر والأضرار” في لغة المحادثات العالمية، تدعو الولايات المتحدة والدول الأوروبية الصناعية إلى تقديم تمويلات إلى البلدان الأقل نموا التي تواجه من الفيضانات وموجات الحر والجفاف وارتفاع منسوب البحار وكوارث أخرى  بسبب تغير المناخ.

وتعد الولايات المتحدة ثاني أكبر ملوث مناخي، بعدما ضخت خلال القرنين الماضيين النسبة الأكبر من  الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، في حين تحتل الصين المرتبة الأولى، مع انبعاثات كربون أكثر بنسبة الضعف مقارنة بالولايات المتحدة.

ووفقًا لبيانات عام 2019، فإن دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة  والمملكة المتحدة، مسؤولة معا عن أكثر من نصف فائض ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. فيما كانت مساهمة الصين 12.7 في المائة وهي في تزايد.

وتتجه انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الولايات المتحدة وأوروبا إلى الانخفاض، بينما تعهدت الصين أن انبعاثاتها ستتوقف عن الارتفاع بحلول نهاية العقد.

وتخشى العديد من البلدان، خاصة الأكثر تأثرا بتغير المناخ، من  أن جر الصين إلى نقاش الخسائر والأضرار يعد بـ”مثابة إلهاء”، سيسمح للولايات المتحدة وأوروبا بزرع الانقسام بين الدول النامية، وسيؤدي إلى تحريف النقاش عن المسائل الأهم التي تتعلق بالتهديدات التي تواجهها.

في هذا السياق، قال ميتشاي روبرتسون، المفاوض الذي يمثل فريقًا يمثل تحالفًا من 39 دولة جزرية صغيرة إن هذا النقاش “عبارة عن ستار من الدخان”.

وأشار روبرتسون إلى أن دفع الصين على قبول التحول للانضمام إلى مجموعة المانحين العالميين “خطوة لا أمل لها في النجاح”، موردا أن كتلته المكونة من الدول الجزرية الصغيرة، تريد أن تركز المناقشات في مصر على إنشاء صندوق عالمي جديد لمعالجة الضرر الناجم عن تغير المناخ، معتبرا أن الولايات المتحدة تخفف من خطابها بشأن تمويل الأضرار المناخية “بتفاؤل حذر فقط”.

المناخ بين واشنطن وبكين

وكانت الولايات المتحدة والصين على اتصال منتظم بشأن سياسة المناخ، لكن بكين أوقفت هذا التعاون في أغسطس الماضي، رفضا لزيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى تايوان.

واليوم، تشير التقارير إلى أن العلاقة المشحونة بين الولايات المتحدة والصين قد يقف أمام التوصل إلى اتفاق بخصوص الموضوع.

في هذا الجانب قال مستشار السياسة العالمية في منظمة السلام الأخضر في شرق آسيا لي شو: “ليس لدي سبب للاعتقاد بأن البشرية يمكن أن تحل تحدي المناخ إذا لم يتمكن أكبر مصدر للانبعاثات من التحدث مع بعضهما البعض”.

وتشير بكين باستمرار إلى أن الدول النامية والفقيرة تتحمل أعباء مختلفة لتغير المناخ، وبالمقابل، تؤكد الولايات المتحدة أن الصين لم تعد في نفس عصبة الدول النامية.

ويتساءل مراقبو محادثات المناخ مثل مايكل أوبنهايمر، عالم المناخ بجامعة برينستون وأستاذ العلاقات الدولية، عما إذا كان تكتيك الولايات المتحدة مصمما لإحداث فجوة بين الصين والدول النامية التي تتفاوض غالبا ككتلة في المحادثات وتتخذ موقف مثير للجدل ضد الدول الصناعية.

ويشير أوبنهايمر، إلى أن “تفكيك تلك الكتلة قليلا، سيمثل انقلابا دبلوماسيا”.

وقال مسؤول في الاتحاد الأوروبي طلب عدم الكشف عن هويته، إن مفاوضات المناخ تهدف إلى التقاء الإرادة السياسية لتلبية الاحتياجات المتنوعة والكبيرة للدول الضعيفة في الاستجابة لتأثيرات التغيرات المناخية”، مشيرا إلى أن “الترتيبات المالية التي ينبغي أن المجتمع الدولي بأكمله”.

وقد لا تعارض الصين بشكل أساسي تقديم الأموال إلى الدول المعرضة لمخاطر تغير المناخ، بحسب “بوليتيكو” ولكن سيكون بشروطها الخاصة، مثلا أن يتم تحت عنوان تعاون “جنوب – جنوب”، لأن من شأن ذلك أن يجنب بكين الاضطرار إلى طمس الخط الفاصل بين البلدان المتقدمة والنامية التي تستخدمها للتمييز بين مسؤولياتها ومسؤوليات الولايات المتحدة وأوروبا.

ويأتي موقف الولايات المتحدة في الوقت الذي تقبل فيه إدارة بايدن والاتحاد الأوروبي بشكل متزايد العبء الأخلاقي للضرر الناجم عن استهلاك الوقود الأحفوري، وبحسب الصحيفة، فقد ساعدت الفيضانات الأخيرة في باكستان ونيجيريا وموجات الحر والجفاف هذا الصيف، البلدان النامية في تقوية وإثبات موقفها بضرورة تلقيها مساعدات لمعالجة ومواجهة تأثيرات التغير المناخي.

كما تأتي الخطوة الأميركية الجديدة بعد سنوات من تحفظ الدول الغنية على قبول مطالب تقديم تعويضات أكبر مع ارتفاع الأضرار المناخية، وعلى الرغم من إصرار واشنطن على عدم قبول أي اتفاق يجعلها مسؤولة قانونيا عن الانبعاثات السابقة. إلا أنها لم تتوصل مع حلفائها الأوروبيين بعد إلى حد الموافقة على رغبات الدول النامية في إنشاء صندوق منفصل ومخصص لتلك التعويضات.

صندوق جديد

ودعمت الصين مقترحا بإنشاء صندوق للدعم خلال محادثات العام الماضي في غلاسكو بإسكتلندا، غير أنه قوبل بالرفض من طرف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، على اعتبار أنه يحصر التمويل على الدول المتقدمة فقط ويتجنب جانبا من اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015 التي تحمي الدول الغنية من المسؤولية القانونية عن الأضرار الناجمة عن انبعاثاتها السابقة.

وتضاعفت الأحداث والكوارث المناخية المتطرفة المرتبطة بتغير المناخ في جميع أنحاء البلدان النامية منذ عام 1991 – العام الذي سبق تنظيم أول قمة مناخية للأمم المتحدة – وتسببت في وفاة 676 شخص، فيما تطال تأثيرات المناخ 189 مليون شخص في تلك البلدان كل عام.

وأوضحت الصحيفة أن الولايات المتحدة تتجه إلى شرم الشيخ، وهي على استعداد للانخراط في موضوع التعويضات. ومن المرتقب أن تركز المحادثات في مصر على مطالب الدول النامية بإنشاء صندوق جديد مخصص للدعم.

ويقول كبار مسؤولي إدارة بايدن إنه ينبغي، أولا تقييم ما إذا كانت طرق التمويل الحالية قادرة على معالجة الخسائر والأضرار بشكل مناسب، قبل التفكير في صندوق جديد.

وفي الوقت الذي يشير فيه كيري إلى أن الولايات المتحدة لا ترفض فكرة إنشاء صندوق جديد، عبر مسؤولون عن قلقهم من أن إنشاء آلية جديدة سيستغرق الكثير من الوقت والمفاوضات.

من جانبه، قال المسؤول إن الاتحاد الأوروبي “غير مقتنع تماما” بالحاجة إلى صندوق جديد، لافتا إلى أن بعض الحكومات الأوروبية أكثر نشاطا من الولايات المتحدة في تقديم البدائل، حيث طورت ألمانيا “الدرع العالمي” ، الذي يجمع موارد مالية للتأمين عن مخاطر التغيرات المناخية، وقدمت الدنمارك واسكتلندا ومنطقة والونيا البلجيكية تعهدات نقدية صغيرة، لكنها رمزية، كأول وعود مباشرة بالمال لإصلاح الأضرار المناخية.

Scan the code